ثم أخبر عن اليهود، فقال سبحانه: ﴿ وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ﴾، يعنى استهزاء وباطلاً، وذلك أن اليهود كانوا إذا سمعوا الأذان، ورأوا المسلمين قاموا إلى صلاتهم، يقولون: قد قاموا لا قاموا، وإذا رأوهم ركعوا، قالوا: لا ركعوا، وإذا رأوهم سجدوا ضحكوا، وقالوا: لا سجدوا، واستهزءوا، يقول الله تعالى: ﴿ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ ﴾ [آية: ٥٨]، يقول: لو عقلوا ما قالوا هذه المقالة.﴿ قُلْ يَـۤأَهْلَ ٱلْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [آية: ٥٩]، قال:" أتى النبى صلى الله عليه وسلم أبو ياسر، وحيى بن أخطب، ونافع بن أبى نافع، وعازر بن أبى عازر، وخالد وزيد ابنا عمرو، وأزر بن أبى أزر، وأشيع، فسألوه عن من يؤمن به من الرسل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نؤمن ﴿ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ "[البقرة: ١٣٦]، فلما ذكر عيسى ابن مريم جحدوا نبوته صلى الله عليه وسلم، وقالوا: لا نؤمن بعيسى ولا بمن آمن به، فأنزل الله عز وجل هذه الآية: ﴿ قُلْ يَـۤأَهْلَ ٱلْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ ﴾، يعنى صدقنا بالله بأنه واحد لا شريك له.
﴿ وَ ﴾ صدقنا بـ ﴿ مَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا ﴾، يعنى قرآن محمد صلى الله عليه وسلم.
﴿ وَ ﴾ صدقنا بـ ﴿ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ ﴾ قرآن محمد صلى الله عليه وسلم، الكتب التى أنزلها الله عز وجل على الأنبياء، عليهم السلام.
﴿ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ ﴾، يعنى عصاة. قالت اليهود للمؤمنين: ما نعلم أحداً من أهل هذه الأديان أقل حظاً فى الدنيا والآخرة منكم، فأنزل الله عز وجل: ﴿ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ ﴾، يعنى المؤمنين.
﴿ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ ﴾، يعنى ثواباً من عند الله، قالت اليهود: من هم يا محمد؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم: ﴿ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ ﴾ وهم اليهود.
﴿ وَغَضِبَ عَلَيْهِ ﴾، فإن لم يقتل أقر بالخراج وغضب عليه.
﴿ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ ﴾، القردة فى شأن الحيتان، والخنازير فى شأن المائدة.
﴿ وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ ﴾، فيها تقديم.
﴿ وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ ﴾، يعنى ومن عبد الطاغوت، وهو الشيطان.
﴿ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً ﴾ فى الدنيا، يعنى شر منزلة.
﴿ وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ ﴾ [آية: ٦٠]، يعنى وأخطأ عن قصد الطريق من المؤمنين. فلما نزلت هذه الآية، عيرت اليهود، فقالوا: لهم: يا إخوان القردة والخنازير، فنكسوا رءوسهم وفضحهم الله تعالى، وجاء أبو ياسر بن أخطب، وكعب بن الأشرف، وعزر بن أبى عازر، ونافع بن أبى نافع، ورافع بن أبى حريملة، وهم رؤساء اليهود، حتى دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: قد صدقنا بك يا محمد؛ لأنا نعرفك ونصدقك ونؤمن بك. ثم خرجوا من عنده بالكفر، غير أنهم أظهروا الإيمان، فأنزل الله عز وجل فيهم: ﴿ وَإِذَا جَآءُوكُمْ ﴾ اليهود.
﴿ قَالُوۤاْ آمَنَّا ﴾، يعنى صدقنا بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم دخلوا عليه وهم يسرون الكفر، وخرجوا من عنده بالكفر، فذلك قوله سبحانه ﴿ وَقَدْ دَّخَلُواْ بِٱلْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ ﴾، يعنى بالكفر مقيمين عليه.
﴿ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ ﴾ [آية: ٦١]، يعنى بما يسرون فى قلوبهم من الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، نظيرها فى آل عمران. ثم أخبر عنهم، فقال سبحانه: ﴿ وَتَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلإِثْمِ ﴾، يعنى المعصية.
﴿ وَٱلْعُدْوَانِ ﴾، يعنى الظلم، وهو الشرك.
﴿ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ ﴾، يعنى كعب بن الأشرف؛ لأنه كان يرشى فى الحكم ويقضى بالجور.
﴿ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ٦٢]، ثم عاتب الله عز وجل الربانيين والأحبار، فقال: ﴿ لَوْلاَ ﴾، يعنى فهلا ﴿ يَنْهَاهُمُ ٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ ﴾، يعنى بالربانيين المتعبدين والأحبار، يعنى القراء الفقهاء أصحاب القربان من ولد هارون، عليه السلام، وكانوا رءوس اليهود.
﴿ عَن قَوْلِهِمُ ٱلإِثْمَ ﴾، يعنى الشرك.
﴿ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ ﴾، يعنى الرشوة فى الحكم.
﴿ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ﴾ [آية: ٦٣]، حين لم ينهوهم، فعاب من أكل السحت: الرشوة فى الحكم، وعاب الربانيين الذين لم ينهوهم عن أكله.


الصفحة التالية
Icon