﴿ قَالَ ﴾ سليمان للهدهد: دلنا على الماء ﴿ سَنَنظُرُ ﴾ فيما تقول.
﴿ أَصَدَقْتَ ﴾ فى قولك ﴿ أَمْ كُنتَ ﴾ يعنى أم أنت ﴿ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ ﴾ [آية: ٢٧] مثل قوله عز وجل:﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس ﴾[آل عمران: ١١٠].
وكان الهدهد يدلهم على قرب الماء من الأرض إذا نزلوا، فدلهم على ماء، فنزلوا واحتفروا الر كايا، وروى الناس والدواب، وكانوا قد عطشوا، فدعا سليمان الهدهد، وقال: ﴿ ٱذْهَب بِّكِتَابِي هَـٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ﴾ يعنى إلى أهل سبأ ﴿ ثُمَّ تَوَلَّ ﴾ يقول: ثم انصرف ﴿ عَنْهُمْ فَٱنْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ﴾ [آية: ٢٨] الجواب، فحمل الهدهد الكتاب بمنقاره، فطار حتى وقف على رأس المرأة، فرفرف ساعة والناس ينظرون، فرفعت المرأة رأسها، فألقى الهدهد الكتاب فى حجرها، فلما رأت الكتاب ورأت الخاتم رعدت وخضعت، وخضع من معها من الجنود، لأن ملك سليمان، عليه السلام، كان فى خاتمه فعرفوا أن الذى أرسل هذا الطير أعظم ملكاً من ملكها، فقالت: إن ملكاً رسله الطير، إن ذلك الملك عظيم، فقرأت هى الكتاب، وكانت عربية من قوم تبع بن أبى شراحيل الحميرى، وقومها من قوم تبع، وهم عرب، فأخبرتهم بما فى الكتاب، ولم يكن فيه شىء غير: " إنه من سليمان، وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا على " ألا تعظموا على " وأتونى مسلمين ". قال أبو صالح: ويقال: مختوم. فـ ﴿ قَالَتْ ﴾ المرأة لهم: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ ﴾ يعنى الأشراف.
﴿ إِنِّيۤ أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ﴾ [آية: ٢٩] يعنى كتاب حسن ﴿ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ ﴾ [آية: ٣٠] ﴿ أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾ [آية: ٣١]، ثم قالت: إن يكن هذا الملك يقاتل على الدنيا، فإنا نمده بما أراد من الدنيا، وإن يكن يقاتل لربه، فإنه لا يطلب الدنيا، ولا يريدها، ولا يقبل منا شيئاً غير الإسلام. ثم استشارتهم فـ ﴿ قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ ﴾ يعنى الأشراف، وهم: ثلاث مائة، وثلاثة عشر قائداً، مع كل مائة ألف، وهم أهل مشورتها، فقالت لهم: ﴿ أَفْتُونِي فِيۤ أَمْرِي ﴾ من هذا ﴿ مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ ﴾ [آية: ٣٢] تقول: ما كنت قاضية أمراً حتى تحضرون.﴿ قَالُواْ ﴾ لها: ﴿ نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ ﴾ يعنى عدة كثيرة فى الرجال كقوله:﴿ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ ﴾[الكهف: ٩٥]، يعنى بالرجال ﴿ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ ﴾ فى الحرب، يعنى الشجاعة ﴿ وَٱلأَمْرُ إِلَيْكِ ﴾ يقول: قد أخبرناك بما عندنا وما نجاوز ما تقولين.
﴿ فَٱنظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ﴾ [آية: ٣٣] يعنى ماذا تشيرين علينا، كقول فرعون لقومه:﴿ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ﴾[الشعراء: ٣٥] يعنى ماذا تشيرون علىّ.﴿ قَالَتْ إِنَّ ٱلْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا ﴾ يعنى أهلكوها، كقوله عز وجل: ﴿ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ ﴾ يعنى لهلكتها ومن فيهن، ثم قال: ﴿ وَجَعَلُوۤاْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً ﴾ يعنى أهانوا أشرافها وكبراءها لكى يستقيم لهم الأمر، يقول الله عز وجل.
﴿ وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ [آية: ٣٤] كما قالت. ثم قالت المرأة لأهل مشورتها: ﴿ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ ﴾ أصانعهم على ملكى إن كانوا أهل دنيا.
﴿ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ ٱلْمُرْسَلُونَ ﴾ [آية: ٣٥] من عنده بالجواب، فأرسلت بالهدية مع الوفد عليهم المنذر بن عمر، والهدية مائة وصيف، ومائة وصيفة، وجعلت للجارية قصة أمامها، وقصة مؤخرها، وجعلت للغلام قصة أمامه، وذؤابة وسط رأسه، والبستهم لباساً واحداً، وبعثت بحقة فيها جوهرتان إحداهما مثقوبة والأخرى غير مثقوبة. وقالت للوفد: إن كان نبياً، فسيميز بين الجوارى والغلمان ويخبر بما فى الحقة، ويرد الهدية فلا يقبلها، وإن كان ملكاً فسيقبل الهدية ولا يعلم ما فى الحقة، فلما انتهت الهدية إلى سليمان، عليه السلام، ميز بين الوصفاء والوصائف من قبل الوضوء، وذلك أنه أمرهم بالوضوء فكانت الجارية تصب الماء على بطن ساعدها، والغلام على ظهر ساعده، فميز بين الوصفاء والوصائف وحرك الحقة، وجاء جبريل، عليه السلام، فأخبره بما فيها فقيل له: ادخل فى المثقوبة خيطاً من غير حيلة إنس ولا جان، وأثقب الأخرى من غير حيلة إنس ولا جان، وكانت الجوهرة المثقوبة معوجة، فأتته دودة تكون فى الفضفضة وهي الرطبة، فربط فى مؤخرها خيطاً، فدخلت الجوهرة حتى أنفذت الخيط إلى الجانب الآخر، فجعل رزقها فى الفضة، وجاءت الأرضة فقالت لسليمان: اجعل رزقى فى الخشب والسقوف والبيوت، قال: نعم، فثقبت الجوهرة فهذه حيلة من غير إنس ولا جان. وسألوه ماء لم ينزل من السماء ولم يخرج من الأرض، فأمر بالخيل فأجريت حتى عرقت فجمع العرق فى شىء حتى صفا وجعله فى قداح الزجاج، فعجب الوفد من علمه، وجاء جبريل، عليه السلام فأخبره بما في الحقة فأخبرهم سليمان بما فيها، ثم رد سليمان الهدية.﴿ فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ قَالَ ﴾ للوفد: ﴿ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَآ آتَانِي ٱللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ ﴾ يقول: فما أعطانى الله تعالى من الإسلام والنبوة والجنود خير مما أعطاكم ﴿ بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ﴾ [آية: ٣٦] يعنى إذا أهدى بعضكم إلى بعض، فأما أنا فلا أفرح بها إنما أريد منكم الإسلام. ثم قال سليمان لأمير الوفد.
﴿ ٱرْجِعْ إِلَيْهِمْ ﴾ بالهدية ﴿ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا ﴾ لا طاقة لهم بها من الجن والإنس.
﴿ وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ [آية: ٣٧] يعنى مذلين بالإنس والجن.


الصفحة التالية
Icon