ثم قال عز وجل أيضاً يعنيهم: ﴿ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ٧] فيجيزهم بإحسانهم، ولا يجزيهم بمساوئهم، يعنى بنى هاشم، وبنى المطلب. ثم قال الله عز وجل ﴿ وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً ﴾ نزلت فى سعد بن أبى وقاص الزهرى، رضى الله عنه، وأمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ﴿ وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾ بأن معى شريكاً ﴿ فَلاَ تُطِعْهُمَآ ﴾ فى الشرك ﴿ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ ﴾ فى الآخرة.
﴿ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ٨] يعنى سعداً، رضى الله عنه، وذلك أنه حين أسلم حلفت أمه لا تأكل طعاماً، ولا تشرب شراباً، ولا تدخل [كنا]، حتى يرجع سعد عن الإسلام، فجعل سعد يترضاها، فأبت عليه، وكان بها باراً فأتى سعد، رضى الله عنه، النبى صلى الله عليه وسلم، فشكى إليه فنزلت فى سعد، رضى الله عنه، هذه الآية، فأمره النبى صلى الله عليه وسلم أن يترضاها ويجهد بها على أن تأكل وتشرب، فأبت حتى يئس منها، وكان أحب ولدها إليها.﴿ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي ٱلصَّالِحِينَ ﴾ [آية: ٩] ﴿ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يِقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِ ﴾ نزلت فى عياش بن أبى ربيعة بن المغيرة بن عمرو بن مخزوم القرشى، وذلك أن عياشاً أسلم، فخاف أهل بيته، فهرب إلى المدينة بدينه قبل أن يهاجر النبى صلى الله عليه وسلم إليها، فحلفت أمه أسماء بنت مخرمة بن أبى جندل بن نهشل التميمى ألا تأكل ولا تشرب، ولا تغسل رأسها، ولا تدخل كنا حتى يرجع إليها، فصبرت ثلاثة أيام، ثم أكلت وشربت، فركب أبو جهل عدو الله والحارث ابنا هشام، وهما أخواه لأمه، وهما بنو عم حتى أتيا المدينة، فلقياه، فقال أبو جهل لأخيه عياش: قد علمت أنك كنت أحب إلى أمك من جميع ولدها، وآثر عندها، لأنه كان أصغرهم سناً، وكان بها باراً، وقد حلفت أمك ألا تأكل، ولا تشرب، ولا تغسل رأسها، ولا تدخل بيتاً، حتى ترجع إليها، وأنت تزعم أن فى دينك بر الوالدين، فارجع إليها، فإن ربك الذى بالمدينة هو بمكة فاعبدوه بها، فأخذ عياش عليهم المواثيق ألا يحركاه، فاتبعهما، فأوثقاه، ثم جلده كل واحد منهما مائة جلدة حتى يبرأ من دين محمد صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل فى عياش: ﴿ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يِقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ ﴾ يعنى صدقنا بتوحيد الله.
﴿ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ ﴾ يعنى ضربهما إياه ﴿ جَعَلَ فِتْنَة النَّاسِ ﴾ يقول: جعل عذاب الناس فى الدنيا كعذاب الله فى الآخرة، كقوله عز وجل:﴿ يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ ﴾[الذاريات: ١٣]، يعنى يعذبون. ثم استأنف ﴿ وَلَئِنْ جَآءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ ﴾ على عدوك بمكة وغيرها، إذا كان للمؤمنين دولة ﴿ لَيَقُولُنَّ ﴾ المنافقون للمؤمنين ﴿ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ﴾ على عدوكم، وإذا رأوا دولة للكافرين شكوا فى إيمانهم.
﴿ أَوَ لَيْسَ ٱللَّهُ ﴾ يعنى عز وجل، أو ما الله ﴿ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ١٠] من الإيمان والنفاق.﴿ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ﴾ يعنى وليرين الله ﴿ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ يعنى صدقوا عند البلاء والتمحيص.
﴿ وَلَيَعْلَمَنَّ ﴾ يعنى وليرين ﴿ ٱلْمُنَافِقِينَ ﴾ [آية: ١١] فى إيمانهم، فيشكوا عند البلاء والتمحيص.