قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يَاأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا ﴾؛ وذلك أنَّ المسلمين كانوا يقولون لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم: راعِنا يا رسولَ الله، وارعِنا سَمْعَك، يعنون من المراعاةِ؛ وكانت هذه اللفظةُ شيئاً قبيحاً باليهوديةِ. قيل: معناها عندهم اسْمَعْ لا سَمعتَ؛ فلما سَمِعَهَا اليهودُ اغتنموها؛ وقالوا فيما بينهم: كنَّا نَسُبُّ محمَّداً سرّاً فأعلِنوا له الآن بالشَّتم، وكانوا يأتونه ويقولون: راعِنا يا محمدُ؛ ويضحكون فيما بينهم. فسمعها سعدُ بن معاذ رضي الله عنه فَفَطِنَ لَها؛ وكان يعرفُ لغتهم، فقال لليهودِ: عليكم لعنةُ الله، والذي نفسي بيده يا معشرَ اليهود لئن نَسْمَعْهَا من رجلٍ منكم يقولُها لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم لأضربنَّ عُنُقَهُ. قالوا: أوَلَسْتُمْ تقولونَها؟! فأنزلَ الله هذه الآيةَ: ﴿ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا ﴾ لكيلا تجدَ اليهودُ سبيلاً إلى سَب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل معناها: ﴿ يَاأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ ﴾ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ﴿ رَاعِنَا ﴾ أي اسْمَعْ إلينا نَسْتَمِعْ إليكَ. وَقِيْلَ: إنَّ اليهودَ قالوا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: إسْمَعْ إلى كلامنا حتى نَسْمَعَ إلى كلامكِ؛ فنهَى اللهُ عنه؛ إذ لا يجوزُ لأحدٍ أن يخاطِبَ أحداً من الأنبياءِ إلا على وجه التوقيرِ والإعظام. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَقُولُواْ ٱنْظُرْنَا ﴾؛ يحتمل أن يكون من النَّظَرِ الذي هو الرؤيةُ، ويحتملُ أن يكون انظرنا حتى تبيِّن لنا ما تعلِّمنا. وقال مجاهدُ: (مَعْنَاهُ فَهِّمْنَا) وقال بعضهم: معناه بيِّن لنا. وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَٱسْمَعُواْ ﴾؛ أي اسمعوا ما تؤمرون به. والمرادُ أطيعوا. وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾؛ تفسيره قد تقدَّم.


الصفحة التالية
Icon