قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا ٱذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ ﴾؛ أي قالَ يوسفُ للذي عَلِمَ أنه ناجٍ منهما، وهو صاحبُ الشَّراب: أذْكُرِنِي عندَ سيِّدِكَ الملِك أنِّي مظلومٌ، عَدَا عليَّ إخْوَتِي فبَاعُوني وأنا حرٌّ، وحُبستُ في السجنِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَأَنْسَاهُ ٱلشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ ﴾؛ أي أنسَى الشيطانُ السَّاقي أنْ يذكُرَ يوسف عندَ الملكِ؛ أي شَغَلَهُ عن ذلك بما كان يدعوهُ إليه من اشتغالهِ برُكوب سَوْأتِهِ وخدمتهِ للملك. وَقِيْلَ: معناهُ أنسَى الشيطانُ يوسف ذِكْرَ ربهِ حتى التمسَ من النَّاجي منهما أن يذكُرَهُ عند ربه، وكان مِن حقِّه أن يتوَكَّل على اللهِ في ذلك. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ﴾؛ والبِضْعُ ما بين الثَّلاث إلى التسعِ. وفي الخبر: أنه يبقَى في السجنِ بعد هذا القولِ سبعَ سنين. وعن الحسنِ: عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قَالَ:" رَحِمَ اللهُ أخِي يُوسُفَ لَوْ أنَّهُ ذكَرَ رَبَّهُ، وَلَمْ يَسْتَغِيثْ بالْمَلِكِ لَمْ يَلْبَثْ فِي السِّجْنِ مَا لَبثَ "قال: ثُمَّ بَكَى الْحَسَنُ وَقَالَ: (نَحْنُ إذا نَزَلَ بنَا أمْرٌ فَزِعْنَا إلَى النَّاسِ). وقالَ مالكُ بن دينار: (لَمَّا قَالَ يُوسُفُ لِلسَّاقِي: أذْكُرْنِي عِنْدَ رَبكَ، قِيْلَ لَهُ: يَا يُوسُفُ أتَّخَذْتَ مِنْ دُونِي وَكِيلاً، لأُطِيلَنَّ حَبْسَكَ، فَبَكَى يُوسُفُ وَقَالَ: يَا رَب أنْسَى قَلْبي كُثْرَةُ الْبَلْوَى). ويُحكى: أنَّ جبريل عليه السلام دخلَ على يُوسف السجنَ، فلمَّا رآهُ يوسف عَرَفَهُ وقال: يا أخَا المنذِرين، ما لِي أراكَ بين الخاطِئين؟ فقالَ له جبريلُ: ربُّكَ يُقرِؤُكَ السلامَ ويقول لكَ: ما استَحيَيتَ منِّي إذِ استشفَعتَ بالآدمِيِّين! فَوَعِزَّتِي لأُلبثَنَّكَ في السجنِ بضعَ سنين، قال يوسفُ: أهو عنِّي في ذلك راضٍ؟ قال: نعم، قال: إذاً لا أبَالِي.