قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ ﴾؛ قال ابنُ عباس: (التَّفَثُ هُوَ الْمَنَاسِكُ كُلُّهَا)، والمرادُ ها هنا رَمْيُ الجِمَارِ والْحَلْقُ، ويقال: قضاءُ التَّفَثِ إزالةُ الشَّعث، وفي هذا دليلٌ على أن المرادَ بقوله ﴿ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ ﴾ دمُ الْمُتْعَةِ والقِرَانِ؛ لأن اللهَ تعالى رَتَّبَ عليه قضاءَ التَّفَثِ والطوافَ بالبيتِ الحرام، لا دمَ تَرَتَّبَ على هذهِ الأفعال إلاّ دمُ المتعة والقِرَانِ، فذكرَ هذه الآيةَ في جوازِ الأكل مما يُذْبَحُ. وَقِيْلَ: التَّفَثُ هو الوسخُ والقَذرُ من طولِ الشَّعر والأظفارِ، وقضاؤه وإذهابهُ وإزالته. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ ﴾؛ يعني نَحْرَ ما نَذَرُوا من البُدْنِ، وَقِيْلَ: يعني ما نَذَرُوا من أعمال البرِّ في أيامِ الحجِّ، وربَّما نَذَرَ الرجلُ أن يتصدَّقَ إنْ رَزَقَهُ اللهُ لقاءَ الكعبة. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ ﴾؛ يعني طوافَ الزِّيارةِ بعد التروية، أما يومُ النَّحرِ وما بعده فيسمَّى طوافَ الإفَاضَةِ. والعتيقُ القديْمُ؛ لأنه أولُ بيتٍ وُضِعَ للناسِ. وَقِيْلَ:" أُعْتِقَ من أيدِي الْجَبَابِرَةِ، فَلاَ يَظْهَرُ عَلِيْهِ جبَّارٌ قَطْ إلاّ أذلَّهُ اللهُ "وعن ابنِ عبَّاس قال:" حَجَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا أتَى وَادِيَ عَسَفَانَ قَالَ: " لَقَدْ مَرَّ بهَذا الْوَادِي نُوحٌ وَهُودٌ وَإبْرَاهِيْمُ عَلَى بَكْرَاتٍ حُمْرٍ خَطْمُهُنَّ اللِّيْفُ، يَحُجُّونَ الْبَيْتَ الْعَتِيْقَ " ".