قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً ﴾؛ أي جعلْنَا ولادةَ عيسى من غيرِ أبٍ دلالةً على التوحيدِ والبعثِ، ولَم يقل: آيَتَيْنِ؛ لأن معنى الآيةِ فيهما واحدةٌ. وَقِيْلَ: معنى كلِّ واحدٍ منهما آيةٌ، كما قال﴿ كِلْتَا ٱلْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا ﴾[الكهف: ٣٣] أي آتَتْ كلُّ واحدةٍ أُكُلَها، وقال تعالى:﴿ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ ﴾[المائدة: ٩٠] ولَم يقُلْ أرْجَاسٌ. وَقِيْلَ: معناهُ: جعلنا شأنَهما واحداً؛ لأن عيسى وُلِدَ من غيرِ أبٍ، وأمُّهُ ولَدَت من غير مسيسٍ ذكَرٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَآوَيْنَاهُمَآ إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ ﴾؛ أي جعلنَاهُما يَأْوِيَانِ إلى بُقعة مرتفعة ذاتِ استواءٍ واستقرار، ومكان ظاهر. والرَّبْوَةُ: المكانُ المرتفع من الأرضِ. واختَلَفُوا في هذه البُقعةِ، قال قتادةُ: (يَعْنِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَهُوَ أرْفَعُ مَوْضِعٍ فِي الأَرْضِ وَأقْرَبُ مَوْضِعٍ إلَى السَّمَاءِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيْلاً)، وقال أبُو هريرةَ: (هِيَ رَمْلَةُ بأَرْضِ فِلِسْطِيْنَ)، وروى الحسنُ وابنُ المسيَّب: (أنَّهَا دِمَشْقُ). وقولهُ تعالى ﴿ ذَاتِ قَرَارٍ ﴾ أي مُستَويةٍ ليستقرَّ عليها ساكِنُوها، وهي مع ذلك ساحةٌ واسعة، والْمَعِيْنُ الماءُ الجاري الطاهرُ الذي تراهُ العيون، يقال عَانَتِ الرُّكبة إذا سَالَتْ بالماءِ.