قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ٱلْغَافِلاَتِ ﴾؛ معناهُ: إن الذينَ يقذِفُون العفائفَ الغافلاتِ عمَّا قُذِفْنَ بهِ كغَفْلَةِ عائشةَ عن ما قيلَ فيها.
﴿ ٱلْمُؤْمِناتِ ﴾، باللهِ ورسوله.
﴿ لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ ﴾؛ أي عُذِّبُوا في الدُّنيا بالحدِّ، وفي الآخرةِ بعذاب النار. وسُمِّيت عائشةُ غافلةً؛ لأنَّها قُذِفَتْ بأمرٍ لَم يخطُرْ ببالِها، فأصابَ كلُّ واحدٍ مِن قاذفيها ذاهبةً في الدُّنيا. أمَّا ابنُ أُبَيِّ فقد ماتَ كافراً ونَهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن الصَّلاةِ عليهِ، وأما حَسَّانُ فقد دخلَ على عائشةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا بعد ما ذهبَ بصرهُ في آخرِ عمره، وأنشدَها في بيتِها: حَصَانٌ رزَانٌ مَا تُزَنَّ برِيْبَةٍ وَتَصْبحُ غَرْثى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِقَالَتْ: إنَّكَ لَسْتَ كَذلِكَ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا، قِيْلَ لِعَائِشَةَ: إنَّ اللهَ وَعَدَهُمْ بعَذابٍ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؟ فَقَالَتْ: أوَلَيْسْ: هَذا عَذابٌ؟ َيَعْنِي ذهابَ بصرهِ. واختلفَ المفسِّرون في هذه الآية ﴿ لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾؛ فقال مقاتلُ: (هَذِهِ الآيَةُ خَاصَّةٌ فِي عَبْدِاللهِ بْنِ أُبَيٍّ الْمُنَافِقِ وَرَمْيهِ عَائِشَةَ)، وقال ابنُ جبير: (هَذا الْحُكْمُ خَاصَّةً فِيْمَنْ قَذفَ عَائِشَةَ، فَمَنْ قَذفَهَا فَهُوَ مِنْ أهْلِ هَذِهِ الآيَةِ)، وقال الضحَّاك والكلبيُّ: (هَذا فِي عَائِشَةَ وَفِي جَمِْيْعِ أزْوَاجِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ الْمُؤْمِنِيْنَ)، قال ابنُ عبَّاس: (هَذِهِ الآيَةُ فِي شَأْنِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِيْنَ خَاصَّةً لَيْسَ فِيْهَا تَوْبَةٌ، وَأمَّا مَنْ قَذفَ امْرَأةً مُؤْمِنَةً مِنْ غَيْرِهِنَّ، فَقَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُ تَوْبَةً). ثُمَّ قَرَأ﴿ وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ ﴾[النور: ٤] إلى قولهِ:﴿ إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ ﴾[النور: ٥]، قَالَ: (فَجَعَلَ اللهُ لِهَوُلاَءِ تَوْبَةً، وَلَمْ يَجْعَلْ لأُوْلَئِكَ). وعن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنهُ قال:" مَنْ أشَاعَ عَلَى رَجُلٍ كَلِمَةً فَاحِشَةً وَهُوَ مِنْهَا بَرِيءٌ يُرِيْدُ أنْ يَسُبَّهُ بهَا فِي الدُّنْيَا، كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أنْ يَدُسَّهُ بهَا فِي النَّارِ. وَأيَّمَا رَجُلٍ جَاءَ فِي شَفَاعَةِ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ تَعَالَى فَعَلَيْهِ لَعنَةُ اللهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ".