قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ﴾؛ هذا تخير في المثلِ، والمعنى: أن مَثَلَ أعمالِ الكفار أيضاً في الدُّنيا، ومثلَ قلوبهم في حياتِهم الدُّنيا كمثلِ ظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ؛ أي عميقٍ كثير الماء يعلوهُ موجٌ ومن فوق ذلك الموجِ الأعلى سحابٌ. وهذا حدُّ الكلام، ثُم ابتدأ فقال: ﴿ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ﴾، أرادَ به ظلمةَ البحرِ وظُلمةَ الموجِ الأدنى وظلمةَ الموجِ الأعلى وظلمةَ السَّحاب وظلمة الليلِ. قال المفسِّرون: أرادَ بالظُّلماتِ أعمالَ الكفارِ، وبالبحرِ اللُّجِّيِّ قلبَ الكافرِ، وبالموجِ ما يغشَى عليه من الجهلِ والشكِّ والحيرة، وبالسَّحاب الدِّينَ والختمَ والطبعَ على قلبهِ. قال أُبَيُّ بنُ كعبٍ في هذه الآية: (الْكَافِرُ يَتَقَلَّبُ فِي خَمْسٍ مِنَ الظُّلَمِ: فَكَلاَمُهُ ظُلْمَةٌ؛ وَعَمَلُهُ ظُلْمَةٌ؛ وَمَدْخَلُهُ وَمَخْرَجُهُ ظُلْمَةٌ؛ وَقَلْبُهُ ظُلْمَةٌ؛ وَمَصِيْرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى ظُلْمَةٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:﴿ ٱرْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً ﴾[الحديد: ١٣].
وقولهُ تعالى: ﴿ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ﴾؛ أي إذا أخرجَ يَدَهُ من هذه الظُّلمات لَم يرَها ولَم يُقَارِبْ أن يرَاها من شدَّةِ الظلماتِ، فكذلك الكافرُ لا يُبْصِرُ الحقَّ والهدى. وقولهُ تعالى: ﴿ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ ﴾؛ أي مَن لَم يهدهِ اللهُ فما له من إيْمَانٍ، ومَن لَم يجعلِ اللهُ له نوراً في الدُّنيا، فما له من نورٍ. وعن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنهُ قالَ:" إنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَنِي مِنْ نُورهِ، وَخَلَقَ أبَا بَكْرٍ مِنْ نُورِي، وَخَلَقَ عُمَرَ وَعَائِشَةَ مِنْ نُورِ أبي بَكْرٍ، وَخَلَقَ الْمُؤْمِنِيْنَ مِنْ أُمَّتِي مِنْ نُورِ عُمَرَ، وَخَلَقَ الْمُؤْمِنَاتِ مِنْ أُمَّتِي مِنْ نُور عَائِشَةَ. فَمَنْ لَمْ يُحِبَّنِي وَيُحِبَّ أبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَائِشَةَ؛ فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ فَيَنْزِلُ عَلَيْهِ، وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ".


الصفحة التالية
Icon