قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَبَشِّرِ ٱلَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمْ ﴾؛ أي بأنَّ لَهم، موضعُ أنَّ نصبَ بنْزعِ الخافض، وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ جَنَّٰتٍ ﴾؛ أي بساتينَ.
﴿ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ﴾؛ أي من تحت شَجَرِهَا، ومساكِنها وغرَفِها.
﴿ ٱلأَنْهَٰرُ ﴾؛ أي أنْهارُ الماءِ والعسل واللَّبَنِ والخمرِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ ﴾؛ أي كلما أُطْعِمُوا من أنواع الثمرات بالبكْرِ والعَشِيَّات؛ إذا أوتوا به بكرةً قالوا: هذا الذي أوتينا به عشيةً؛ وإذا أُوتوا به عشيةً قالوا: هذا الذي أوتينا به بكرةً؛ فإذا طعموهُ وجدوا طعمهُ غيرَ الطعمِ الذي طَعِمُوهُ من قبلُ. وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَٰبِهاً ﴾؛ أي في المنظرِ مختلفاً في الطعم. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ ﴾؛ أي نساءٌ وجوارٍ لا يَحِضْنَ ولا يَسْتَحْلِمْنَ ولا يَلِدْنَ ولا يحتجنَ إلى ما يتطهَّرنَ منه؛ ولا يَحْسِدْنَ ولا يَغِرْنَ ولا ينظرن إلى غير أزواجهن؛ مهذَّباتٌ في الْخَلْقِ والْخُلُق؛ طاهراتٌ من كل دَنَسٍ وعيبٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَهُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ ﴾؛ أي هم مع هذه الكراماتِ دائمون لا يَموتون ولا يُخْرَجون أبداً. و" سُئِلَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم مَرَّةً: مَا بَالُ أهْلِ الْجَنَّةِ عَمِلُواْ فِي عُمُرٍ قَصِيْرٍ فَخُلِّدُواْ فِي الْجَنَّةِ؛ وَمَا بَالُ أهْلِ النَّار عَمِلُواْ فِي عُمُرٍ قَصِيْرٍ فَخُلِّدُواْ فِي النَّار؟ فَقَالَ: " كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيْقَيْنِ يَعْتَقِدُ أنَّهُ لَوْ عَاشَ أبَداً عَمِلَ ذلِكَ الْعَمَلَ " ". والبشارةُ المطلقةُ هو الخبرُ السارُّ الذي يحدثُ عند الاستبشار والسرور، وإنْ كان قد يستعملُ مقيَّداً فيما يسوءُ، كما قالَ تعالى:﴿ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾[آل عمران: ٢١].
ولِهذا قال علماؤُنا فيمن قالَ: أيَّ عبيِدِي بشَّرنِي بقُدومِ فُلان فهو حرٌّ، فبشَّره جماعةٌ من عبيدهِ واحدٌ بعدَ واحدٍ؛ أنَّ الأوَّلَ يعتقُ دون غيرهِ؛ لأن البشارةَ حصلَتْ بخبرهِ خاصَّةً؛ بخلافِ ما إذا قالَ: أيَّ عبيدِي أخبرنِي بقُدومِ فلانٍ، فأخبرَه واحدٌ بعد واحدٍ فإنَّهم يُعْتَقُونَ جميعاً.


الصفحة التالية
Icon