قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ ﴾؛ قال السديُّ: (كَانَ ذلِكَ الدُّخَانُ مِنْ نَفْسِ الْمَاءِ حِيْنَ تَنَفَّسَ، وَكَانَ بُخَارُهُ يَذْهَبُ فِي الْهَوَاءِ، فَخُلِقَتِ السَّمَاءُ مِنْهُ وَفُتِقَتْ سَبْعاً فِيْ يَوْمِ الْخَمِيْسِ وَالْجُمُعَةِ). وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً ﴾؛ أي ائْتِيَا ما آمُرُكما وافْعَلاَ، كما يقالُ: ائْتِ ما هو الأحسنُ؛ أيِ افْعَلْهُ. قالَ المفسِّرون: إن الله تعالى قال: أما أنتِ يا سماءُ فأطلعي شَمسَكِ وقمرَكِ ونجومَكِ، وأما أنتِ يا أرضُ فَشَقِّقِي أنْهَارَكِ واخرِجِي ثِمارَكِ ونباتَكِ، وقال لَهما: اعْمَلا ما آمُرُكُمَا طَوْعاً وإلاَّ ألْجَأْتُكما ذلكَ حتى تفعلاهُ كَرْهاً، فأجَابَتا بالطَّوعِ وهو قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ ﴾؛ أي أتَينا أمرَكَ. ولَمَّا ركَّبَ اللهُ فيهنَّ العقولَ، وخطابُ مَن يعقل جمعُهن جمع مَن يعقلُ كما قال تعالَى:﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾[الأنبياء: ٣٣] ولو جمعَهن جمعَ مَن لا يعقلُ لقيلَ: طَائِعَاتٍ. ويقالُ في معناهُ: أتَينا نحنُ مَن فينا طائعينَ، وإنَّما ذكرَ تارة بلفظِ التَّثنيةِ وتارةً بلفظ الجمعِ؛ لأن السَّماوات والأرضِ شيئان من حيث الجنسُ بمنْزِلة الفئتين (والطائعين)، فقيلَ لَهما: ائْتِيَا، ثُم السَّماوات بنفسِها جماعةٌ، وكذلك الأرضُ، فلذلك قالتَا: ﴿ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ ﴾.
وانتصب (طَوْعاً) و (كَرْهاً) على معنى أطِيعَا طاعةً أو تُكرَهَانِ كَرْهاً. وبلَغَنا أن بعضَ الأنبياءِ قالَ: يا ربِّ؛ لو أنَّ السَّماواتِ والأرضَ حين قُلْتَ لَهما ﴿ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً ﴾ عصَياكَ ما كُنْتَ صانِعاً بهما؟ قال: كنتُ آمُرُ دابَّة من دوابي فتبتلعهُما. قال: فأينَ تلك الدابةُ؟ قال: في مَرْجٍ من مُروج، قال: وأين ذلكَ الْمَرْجُ؟ قال: فِي علمٍ من عُلومِي.


الصفحة التالية
Icon