قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَاناً ﴾؛ في الآيةِ دليلٌ على أنَّها نزَلت في رجُلٍ بعينهِ؛ لأنَّ الناسَ كلَّهم لا يكون حَملُهم ورضاعُهم ثلاثون شَهراً، ولا يقولون إذا بلَغُوا أربعين سَنةً: ﴿ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ ﴾.
وجاءَ في التفسيرِ: أنَّها نزَلت في أبي بكرِ الصدِّيق رضي الله عنه. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً ﴾؛ أي على كُلْفَةٍ ومشَقَّةٍ، وأرادَ به الحملَ في البطنِ إذا ثَقُلَ عليها الولدُ، قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً ﴾؛ يريدُ شدَّةَ الطَّلْقِ ومشقَّةَ الوضعِ. قرأ أهلُ الكوفة ﴿ إِحْسَاناً ﴾ وهي قراءةُ ابنِ عبَّاس رضي الله عنه. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً ﴾؛ أي حَملهُ سِتَّةُ أشْهُرٍ ورضاعهُ أربعَةٌ وعشرون شهراً. ورَوى عكرمةُ عن ابنِ عبِّاس رضي الله عنه قال: (إذا حَمَلَتِ الْمَرْأةُ تِسْعَةَ أشْهُرٍ أرْضَعَتْهُ أحَدَ وَعِشْرِينَ شَهْراً). وقال مقاتلُ وعطاء والكلبيُّ: (هَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ فِي أبي بَكْرٍ رضي الله عنه، وَكَانَ حَمْلُهُ وَفِصَالُهُ هَذا الْقَدْرَ)، ويدلُّ على صحَّة هذا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ... ﴾ ثم إلى آخر الآية. وقرأ الحسنُ ويعقوب (وَفَصْلُهُ) بغيرِ ألفٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ ﴾؛ قال ابنُ عبَّاس رضي الله عنه: (أشُدَّهُ بضْعٌ وَثَلاَثوُنَ سَنَةً) وقال: (ثَمَانِي عَشَرَةَ سَنَةً). وذلك أنه صَحِبَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو ابنُ ثَمانِي عشرةَ سنةً، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم ابنُ عشرين سَنة في تجارتهِ إلى الشامِ، وكان لا يفارقهُ في أسفارهِ وحضورهِ. فلما ﴿ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ﴾؛ ونُبئَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم دعا ربَّهُ.
﴿ قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ﴾؛ أي ألْهِمْنِي شُكْرَ نِعمَتِكَ.
﴿ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ ﴾؛ بالهدايةِ والإيمانِ حتى لم أُشرِكْ بكَ شيئاً.
﴿ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ ﴾؛ أبي قُحَافَةَ عثمان بنِ عُمر وأُمِّي أمُّ الخيرِ بنت صخرِ بن عمر، قال عليٌّ رضي الله عنه: (هَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ فِي أبي بَكْرٍ أسْلَمَ أبَوَاهُ جَمِيعاً، وَلَمْ يَجْتَمِعْ أحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالْمُهَاجِرِينَ أبَوَاهُ غَيْرُهُ، وَأوْصَاهُ اللهُ بهِمَا). قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَأَنْ أَعْمَلَ صَٰلِحاً تَرْضَٰهُ ﴾؛ فأجابَ اللهَ وأعتقَ تسعةً مِن المؤمنين يعذبون في اللهِ ولم يُرِدْ شيئاً من الخيرِ إلاَّ أعانَهُ اللهُ عليه، واستجابَ اللهُ في ذُريَّتهِ حين قال: ﴿ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيۤ ﴾؛ فلم يبقَ له ولدٌ ولا والدٌ إلاَّ آمَنُوا باللهِ وحدَهُ، قال موسى بنُ عُقبةَ: (لَمْ يُدْركْ أرْبَعَةٌ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم هُمْ وَأبْنَاؤُهُمْ إلاَّ هَؤُلاَءِ: أبُو قُحَافَةَ، وَأبُو بَكْرٍ، وَابْنُهُ عَبْدُالرَّحْمَنِ، وَأبُو عَتِيقِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أبي بَكْرِ رضي الله عنه). قال البخاريُّ: (أبُو عَتِيقٍ أدْرَكَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم). قولهُ ﴿ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيۤ ﴾ أي اجعَلْ أولاَدِي كُلَّهم صالِحين وقولهُ: ﴿ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ ﴾؛ أي إنِّي أقبَلْتُ إلى كلِّ ما يجبُ وأسلمتُ لكَ بقلبي ولسانِي وإنِّي من المخلِصين، فأسلمَ أبوهُ وأُمُّهُ ولم يبقَ له ولدٌ إلاَّ أسلمَ.