قًوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً ﴾؛ هذا تخويفٌ لأهلِ مكَّة؛ أي كم أهلَكنا من قومٍ هُم أشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً.
﴿ فَنَقَّبُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ ﴾؛ أي سَارُوا وتَقلَّبُوا وطافُوا في البلادِ. وأصلهُ من النَّقَب وهو الطريقُ؛ وكأنَّهم سلَكُوا كلَّ طريقٍ فلم يجِدُوا مَخْلَصاً عن أمرِ الله. قال الزجَّاجُ: (لَمْ يَرَوا مَخْلَصاً مِنَ الْمَوْتِ، كَأَنَّهُمْ ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ مَعَ شِدَّةِ شَوْكَتِهِمْ وَبَطْشِهِمْ، وَفِي هَذا إنْذارٌ لأَهْلِ مَكَّةَ أنَّهُمْ عَلَى مِثْلِ سَبيلِهِمْ لاَ يَجِدُونَ مَفَرّاً مِنَ الْمَوْتِ، يَمُوتُونَ فَيَصِيرُونَ إلَى عَذاب اللهِ). قرأ الحسنُ: (فَنَقَبُوا) بالتخفيف، وقرأ السُّلَمي على اللفظِ الأمرِ على التهديدِ والوعيد؛ أي أقبلُوا في البلادِ وأدبرُوا يا أهلَ مكَّة وتصرَّفُوا منها كلَّ مُتَصَرَّفٍ، وسِيرُوا في الأرضِ فانُظروا.
﴿ هَلْ مِن مَّحِيصٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ ﴾؛ أي إنَّ ما صُنِعَ بهم من هلاكِ القُرى لعِبرَةً وعِظَةً؛ ﴿ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ ﴾؛ عقلٌ وحَزْمٌ وبصيرة.
﴿ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ ﴾؛ أي استمعَ ما يقالُ له على جهة التَّفَهُّمِ، يقولُ العربُ: ألْقِ سَمْعَكَ؛ أي اسْتَمِعْ مِنِّي؛ ﴿ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾؛ أي شاهِدُ القلب حاضرهُ غير غافلٍ ولا سَاهٍ.