قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَٰمَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً ﴾؛ نَزَلَتْ فِي حَنْظَلَةَ بْنِ الشَّمَرْدَلِ؛ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ مَالِ الْيَتِيْمِ فِي حِجْرِهِ ظُلْماً. ومعناها: إنَّ الَّذِينَ يأْكُلُونَ أمْوَالَ الْيَتَامَى بغيرِ حقٍّ، إنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ حَرَاماً. ويسمَّى الحرامُ ناراً؛ لأن الحرامَ يُوجِبُ النَّارَ فسمَّاهُ باسْمِها على معنَى أنَّ أجوافَهم تُمَثَّلُ ناراً في الآخرةِ. قال السديُّ: (مَنْ أكَلَ مِنْ مَالِ الْيَتِيْمِ ظُلْماً يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَهَبُ النَّار يَخْرُجُ مِنْ فِيْهِ وَأُذُنَيْهِ وَعَيْنَيْهِ وأنْفِهِ، كُلُّ مَنْ رَآهُ عَرَفَ أنَّهُ أكَلَ مَالَ الْيَتِيْمِ ظُلْماً). قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ﴾؛ أي سَيَصْلَوْنَ النارَ في الآخرة ويلزمونَها، والصَّلاَءُ: مُلاَزَمَةُ النَّار لِلاحْتِرَاقِ وَالإنْضَاجِ. قرأ العامَّة: (وَسَيَصْلُونَ) بفتحِ الياء أي يدخلونَها كقولهِ تعالى:﴿ إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ ٱلْجَحِيمِ ﴾[الصافات: ١٦٣] وقَوْلُهُ تَعَالَى:﴿ لاَ يَصْلاَهَآ إِلاَّ ٱلأَشْقَى ﴾[الليل: ١٥].
وقرأ أبو رجَاءٍ والحسنُ وابنُ عامرٍ وأبو بكرٍ عن عاصم بضمِّ الياء على معنى: وسَيَدْخُلُونَ النَّارَ على ما لَمْ يُسَمَّ فاعلهُ، ونظيره﴿ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ﴾[المدثر: ٢٦] و﴿ فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً ﴾[النساء: ٣٠].
وقرأ حمزةُ بن قيسٍ: (وَسَيُصَلَّونَ) بتشديد اللاَّم من التَّصْلِيَةِ لكثرةِ الفعلِ؛ أي مَرَّةً بعدَ مرةٍ، نظيرهُ﴿ ثُمَّ ٱلْجَحِيمَ صَلُّوهُ ﴾[الحاقة: ٣١] والكلُّ صوابٌ، يقال: صِلْتُ شِيَاءً إذا شَوَيْتُهُ. وفي الحديثِ: (أتِيَ بشَاةٍ مَصْلِيَّةٍ) وَأَصْلَيْتُهُ: ألْقَيْتُهُ فِي النَّار، وصَلَّيْتُهُ مرَّةً بعدَ مرَّةٍ. السَّعِيْرُ: النَّارُ الْمَسْعُورَةُ أي الْمَوْقُودَةُ. قالَ صلى الله عليه وسلم:" رَأيْتُ لَيْلَةَ أسْرِيَ بي قَوْماً لَهُمْ مَشََافِرُ كَمَشَافِرِ الإبلِ؛ إحْدَاهُمَا قَالِصَةٌ عَلَى مِنْخَرِهِ، وَالأُخْرَى عَلَى بَطْنِهِ، وَخَزَنَةُ النَّار يُلَقِّمُونَهُمْ جَمْرَ جَهَنَّمَ وَصخْرَهَا ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ أسَافِلِهِمْ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيْلُ مَنْ هَؤَلاَءِ؟ قَالَ: الَّذِيْنَ يَأْكُلُونَ أمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً "