قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَٰلَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَٰطِلِ ﴾؛ أي لا يَأَكُلْ بعضكم مالَ بعضٍ بالظلم وشهادَةِ الزُّور واليمينِ الفاجرةِ والرِّبا والقمار وغير ذلك من الغَصْب والسرقَةِ والخيانَةِ، وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ ﴾؛ استثناءٌ منقطعٌ؛ لأن الاستثناءَ خلافُ المستثنى منهُ؛ لأن التجارةَ ليست بباطلٍ، كأنَّهُ قالَ: لكن كُلُوا ما مَلَكْتُمْ بالْمُبَايَعَةِ عن تراضٍ منكم. قرأ أهلُ الكوفةِ (تِجَارَةً) بالنصب على معنى: إلاّ أن تكونَ الأموالُ تجارةً، وقرأ الباقون بالرفعِ على معنى: إلاّ أن تقعَ تجارةٌ. رويَ: أنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ امْتَنَعَ النَّاسُ عَنْ أكْلِ الأَمْوَالِ بالْهِبَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَالضِّيَافَةِ حَتَّى نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى:﴿ وَلاَ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمْ ﴾الآيةُ. [النور: ٦١].
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ ﴾؛ أي لا يَقْتُلْ بعضُكم بعضاً فإنَّكم أهلُ دِيْنٍ واحدٍ، وأنتم كنَفْسٍ واحدةٍ. قال صلى الله عليه وسلم:" الْمُؤْمِنُونَ كُلُّهُمْ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ؛ إذا ألِمَ عُضْوٌ تَدَاعَى سَائِرُ الأَعْضَاءِ لِلْحُمَّى وَالسَّهَرِ "وَقِيْلَ: معناهُ: لا يَقْتُلَنَّ الرجلُ نفسَه عند الضَّجَرِ والغضب. قال صلى الله عليه وسلم:" إنَّ رَجُلاً مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أخَذَتْهُ قَرْحَةٌ فِي يَدِهِ فَقَطَعَهَا فَأَرَاقَ دَمَهَا حَتَّى مَاتَ، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى: بَادَرَنِي ابْنُ آدَمَ بنَفْسِهِ فَقَتَلَهَا بيَدِهِ، فَقَدْ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ "وعن جَابرِ بن سَمُرَةَ: [أنَّ رَجُلاً ذَبَحَ نَفْسَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم].
وقال بعضُهم: معنى الآية: لا تَقْتُلُوا أنفسَكم لطلب المال بما يؤدِّي إلى التلفِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ﴾؛ لا يَرْضَى منكُم قَتْلَ بعضِكم بعضاً، ولا أكلَ المالِ بالباطل، فيرجعُ ضَرَرُهُ عليكُم في الدُّنيا والدِّين.