قوله: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ جرت عادة الله سبحانه وتعالى في كتابه أنه إذا ذكر بشرى المؤمنين يذكر بلصقها وعيد الكافرين، فذكر حال الكافرين ظاهراً وباطناً، ثم ذكر حال الكافرين باطناً وهم المنافقون، وأنهم أسوأ حالاً من الكافرين ظاهراً وباطنا، وإن حرف توكيد ونصب والذين كفروا اسمها وجملة لا يؤمنون خبرها، وجملة سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم معترضة بين اسم إن وخبرها، وإعرابها أن تقول على المشهور سواء اسم مصدر مبتدأ بمعنى مستو، وسوغ الابتداء به تعلق الجار والمجرور به، وأأنذرتهم أم لم تنذرهم مؤول بمفرد خبر تقديره مستو عليهم إنذارك وعدمه، وهو فعل مسبوك بلا سابك، إن قلت إن خبر المبتدأ إذا وقع جملة لا بدله من رابط. اجيب بأن الخبر عن المبتدأ في المعنى وهو يكفي في الربط، وأجيب أيضاً بأن محل الاحتياج للرابط ما لم يؤول الخبر بمفرد وإلا فلا يحتاج للرابط، وقولهم لا بد للعفل من سابك اغلبي ويصح العكس، وهو أن الجملة مبتدأ مؤخر وسواء خبر مقدم. قوله: (ونحوهما) أي من كفار مكة الذين سبق علم الله بعدم ايمانهم، والحكمة في إخبار الله نبيه بذلك ليربح قلبه من تعلقه بايمانهم فلا يشغل بهدايتهم ولا تأليفهم، ويحتمل أن ذلك إعلام من الله لنبيه بمن كفر من أول الزمان إلى آخره لأنه أطلعه على النار وعلى أعد لها من الكفار، والحكمة في عدم الدعاء منه عليهم مع علمه بأنه يستحيل ايمانهم أنه يرجو الإيمان من ذريتهم، قوله: (بتحقيق الهمزتين) أي مع مدة بينهما مداً طبيعياً وتركه فهما قراءتان. وقوله: (وابدال الثانية ألفا) أي مداً لازما وقدره ست حركات. وقوله: (وتسهيلها) أين بأن تكون بين الهمزة والهاء. وقوله: (وادخال الف) الواو بمعنى مع، فحاصله أن القراءات خمس: قراءتان مع التحقيق وقراءتان مع التسهيل وقراءة مع الإبدال، وكلها سبعية على التحقيق، خلافا للبيضاوي حيث قال ان قراءة الإبدال لحن لوجهين: الأول أن الهمزة المتحركة لا تبدل الفاً، والثاني أن فيه التقاء السكانين على غير حده، رد عليه ملا علي قاري بأن القراءة متواترة عن رسول الله، ومن أنكرها كفر، فيستدل بها لا لها، وأما قوله أن الهمزة المتحركة لا تبدل الفاً محله في القياسي، وأما السماعي فلا لحن فيه لأنه يقتصر فيه على السماع، وقوله فيه التقاء السكانين على غير حده تقول سهلة طول المد والسماح، وأما قولهم كل ما وافق وجه النحو الخ، محله في قراءة الآحاد لا في المتواترة، وإلا فالتواتر نفسه حجة على غيره لا يحتج له. قوله: (إعلام مع تخويف) أي في وقت يسع التحرز من الأمر المخوف، والا فيسمى إخباراً بالعذاب. قوله: ﴿ خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ ﴾ هذا وما بعده كالعلة والدليل ما قبله، والمراد بالقلوب العقول وهي اللطيفة الربانية القائمة بالشكل الصنوبري قيام العرض بالجوهر أو قيام حرارة النار بالفحم. قوله: (طبع عليها) هذا اشارة الى المعنى الأصلي فأطلقه وأراد لازمه وهو عدم تغيير ما في قلوبهم بدليل قوله فلا يدخلها خير، وفي القلوب استعارة بالكناية، حيث شبه قلوب الكفار بمحل فيه شيء مختوم عليه وطوى ذكر المشبه به، ورمز له بشيء من لوازمه وهو الختم فإثباته تخييل. قوله: (أي مواضعه) انما قدر ذلك المضاف لأن السمع معنى من المعاني لا يصح اسناد الختم لها. وإفراده، إما لأنه مصدر لا يثنى ولا يجمع، أو لكون المسموع واحداً، وتم الوقف على قوله: ﴿ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ﴾، وقوله: ﴿ وَعَلَىٰ أَبْصَٰرِهِمْ ﴾ خبر مقدم و: ﴿ غِشَاوَةٌ ﴾ مبتدأ مؤخر جملة مستأنفة نظير قوله تعالى﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ ﴾[الجاثية: ٢٣] الآية، والمراد من الغشاوة عدم وصول النور المعنوي لهم. فأطلق اللازم وأراد الملزوم وخص الثلاثة لأنها طرق العلم بالله، قوله: ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ ﴾ العذاب هو إيصال الآلام للحيوان على وجه الهوان. قله: (قوي دائم) إنما فسره بذلك لأن الأصل في العظم أن يكون وصفاً للأجسام فلذلك حول العبارة. قوله: (ونزل في المنافقين) أي في أحوالهم وهوانهم واستهزاء الله بهم وضرب الأمثال فيهم وعاقبة أمرهم، وجملة ذلك ثلاث عشرة آية آخرها﴿ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾[البقرة: ٢٠]، وأخرهم عن المؤمنين والكافرين ظاهراً أو باطناً إشارة إلى أنهم أسوأ حالاً من الكفار.


الصفحة التالية
Icon