قوله: ﴿ وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِي ﴾ هما بالرفع على الاستئناف، أو عطف على خبر إن عند السبع، وقرئ شذوذاً بنصهما عطفاً على مدخول أن، والمقصود من هذا الاعتذار، الإعانة على هذا الأمر المهم، بشرح الصدر، وطلق اللسان، وإرسال أخيه، والأمن من القتل، وقد دل على ذلك قوله: في سوة طه﴿ رَبِّ ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِيۤ أَمْرِي * وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي ﴾[طه: ٢٥-٢٧] الآيات. قوله: (للعقدة التي فيه) أي الثقل الحاصل بسبب وضع الجمرة عليه وهو صغير، حين نتف لحية فرعون، فاغتم لذلك وهم بقتله، فأشارت عليه زوجته أن يمتحنه، فقدم له تمرة وجمرة، فأخذ الجمرة بتحويل جبريل يده فوضعها على لسانه، فحصل فيه ثقل في النطق. قوله: ﴿ فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ ﴾ أي وكان في مصر، فأتاه جبريل بالرسالة على حين غفلة، فموسى جاءته الرسالة من ربه بلا واسطة جبريل، وإن كان حاضراً، وهارون جاءته الرسالة في ذلك الوقت أيضاً بواسطة جبريل. قوله: (معي) أي ليكون معيناً لي، وهو بمعنى قوله في سورة القصص﴿ فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي ﴾[القصص: ٣٤].
قوله: ﴿ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ ﴾ أي في زعمهم. قوله: ﴿ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ ﴾ أي فيفوت المقصود من الإرسال. قوله:(فيه تغليب الحاضر على الغائب) أي بالنسبة لموسى، وإلا فهما حاضران بالنسبة لله تعالى، لكن سمع موسى الخطاب من الله بلا واسطة، وهارون سمعه بواسطة جبريل. قوله: ﴿ بِآيَاتِنَآ ﴾ جمع الآيات مع أنهما اثنان العصا واليد، باعتبار ما اشتملت العصا عليه من الآيات له. قوله: ﴿ إِنَّا مَعَكُمْ ﴾ أي معية خاصة بالعون والنصر. قوله: (أجريا مجرى الجماعة) أي تعظيماً لهما. قوله: (أي كلاً منا) قدر ذلك لتحصل المطابقة بين اسم إن وخبرها، الذي هو الرسول حيث أفرده. قوله: ﴿ أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ﴾ أي خلصهم وأطلقهم. قوله: (فأتياه) الخ، أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا ﴾ الخ، مرتب على محذوف، روي أنهما لما انطلقا إلى فرعون، لم يؤذن لهما سنة في الدخول عليه، فدخل البواب على فرعون وقال له: ههنا إنسان يزعم أنه رسول رب العالمين، فقال له فرعون: ائذن له لعلنا نضحك معه، فدخلا عليه فوجداه قد أخرج سباعاً من أسد ونمور وفهود يتفرج عليها، فخاف خدامها أن تبطش بموسى وهارون، فأسرعوا أليهما وأسرعت السباع إلى موسى وهارون، فأقبلت تلحس أقدامهما، وتلصق خدودها بفخذيهما فعجب فرعون من ذلك فقال: ما أنتما؟ قال: أنا رسول رب العالمين، فعرف موسى، لأنه نشأ في بيته فقال: ﴿ قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً ﴾ الخ، فامتن عليه أولاً بنعمة التربية، وثانياً بعدم مؤخذاته بما وقع منه من قتل القبطي. قوله: (قريباً من الولادة) قصده بذلك دفع ما ورد على الآية، بأن الوليد يطلق على المولود حال ولادته، وليس مراداً هنا، فإنه كان زمن الرضاع عند أمه، ثم أخذه فرعون بعد الفطام، والأولى إبقاء الآية على ظاهرها، لأن موسى وإن كان عند أمه، إلا أنه تحت نظر فرعون، فهو في تربيته من حين ولادته. قوله: ﴿ مِنْ عُمُرِكَ ﴾ حال من سنين، لأنه نعت نكرة قدم عليها.


الصفحة التالية
Icon