قوله: ﴿ وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ ﴾ الخ، أي إنه جرت عادته سبحانه وتعالى، أنه لا يهلك أهل قرية إلا بعد إرسال الرسول اليهم وعصيانهم، وذلك تفضل منه سبحانه وتعالى، وإلا فلو أهلكهم من أول الأمر لا يعد ظالماً، لأنه متصرف في مكله يحكم لا معقب لحكمه، ففعله دائر بين الفضل والعدل. قوله: ﴿ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ ﴾ الجملة صفة لقرية. فإن قلت: لم تركت الواو هنا وذكرت في قوله تعالى:﴿ وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ ﴾[الحجر: ٤]؟ أجيب: بأن الأصل ترك الواو، وإذا زيدت كانت لتأكيد وصل الصفة بالموصوف كما في قوله:﴿ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ﴾[الكهف: ٢٢].
قوله: ﴿ ذِكْرَىٰ ﴾ مفعول لأجله، أي لأجل تذكيرهم العواقب. قوله: ﴿ وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ أي لا نفعل فعل الظالمين بأن نهلكهم قبل الإنذار، بل لا نهلكهم إلا بعد إتيان الرسول وإمهالهم الزمن الطويل حتى يتبين لهم الحق من الباطل. قوله: (رداً لقول المشركين) مقول لقول محذوف، تقديره إن الشياطين يلقون القرآن على لسانه، فهو من جملة الكهنة. قوله: ﴿ وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ ﴾ أي لا يمكنهم. قوله: ﴿ إِنَّهُمْ عَنِ ٱلسَّمْعِ ﴾ الخ، علة لقوله: ﴿ وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ ﴾.
قوله: (لكلام الملائكة) إن كان المراد كلامهم بالوحي الذي يبلغونه للأنبياء، فالشياطين معزولون عنه لا يصلون إليه أصلاً، وإن كان المراد به المغيبات التي ستقع في العالم، فكانوا أولاً يسترقونها، فلما ولد صلى الله عليه وسلم منعوا من السماوات، فلما بعث سلط عليهم الشهب، وحينئذ فقد انسد باب السماء على الشياطين، وانقطع نزولهم على الكهنة، فبطل قول المشركين إن القرآن تنزلت به الشياطين على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: ﴿ فَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ ﴾ نزل رداً لقول المشركين: اعبد آلهتنا سنة ونحن نعبد إلهك سنة، والخطاب له صلى الله عليه وسلم والمراد غيره. قوله: (رواه البخاري ومسلم) أي فقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال في إنذاره:" يا معشر قريش اشتروا أنفسكم، لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا بني عبد المطلب لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئاً، يا صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أغني عنك من الله شيئاً، يا فاطمة بنت رسول الله سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئاً ". وفي رواية" أنه صلى الله عليه وسلم صعد على الصفا فجعل ينادي: يا بني فهر، يا بني عدي، لبطون من قريش قد اجتمعوا، فجعل الذي لا يستطيع أن يخرج، يرسل رسولاً لينظر ما هو؟ فجاء أبو لهب وقريش فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: ما جرينا عليك كذباً، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب: تباً لك، ألهذا جمعتنا؟ فنزلت: ﴿ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ إلى آخر السورة ".