قوله: ﴿ قَالَ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ ﴾ الخطاب لكل من عنده من الجن والإنس وغيرهما. قوله: (ما تقدم) أي من التحقيق أو قلب الثانية واواً. قوله: ﴿ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا ﴾ أي وكان سليمان إذ ذاك في بيت المقدس، وعرشها في سبإ، وبينها وبين بيت المقدس مسيرة شهرين. قوله: (فلي أخذه قبل ذلك) أي قبل إتيانهم مسلمين، لأنهم حربيون حينئذ. قوله: (لا بعده) أي لأن إسلامهم يعصم ما لهم، وهذا بحسب الظاهر، وأما باطن الأمر فقصده أن يبهر عقلها بالأمور المستغربة لتزيد إيماناً. قوله: ﴿ عِفْرِيتٌ ﴾ بكسر العين وقرئ شذوذاً بفتحها. قوله: (وهو القوي) أي وكان مثل الجبل، يضع قدمه عند منتهى طرفه، وكان اسمه ذكوان وقيل صخر. قوله: ﴿ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ ﴾ يحتمل أنه فعل مضارع، أصله أأتى بهمزتين أبدلت الثانية ألفاً، ويحتمل أنه إسم فاعل كضارب وقائم. قوله: ﴿ مِن مَّقَامِكَ ﴾ أي مجلسك. قوله: (أسرع من ذلك) أي لأن المقصود الإتيان به قبل أن تقدم هي، والحال أن بين قدومها مسيرة ساعة ونصف، ومجلسه من الغداة إلى نصف النهار. قوله: ﴿ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ ﴾ أي وهو التوراة. قوله: (وهو آصف بن برخيا) بالمد والقصر، وكان وزير سليمان وقيل كاتبه، وكان من أولياء الله تعالى، وقيل الذي عنده علم من الكتاب هو جبريل، وقيل الخضر، وقيل ملك آخر، وقيل سليمان نفسه، وعلى هذا فالخطاب في قوله أنا آتيك للعفريت، وما مشى عليه المفسر هو المشهور. قوله: (كان صديقاً) أي مبالغاً في الصدق مع الله ومع عباده. قوله: ﴿ طَرْفُكَ ﴾ هو بالسكون البصر. قوله: (قال) أي آصف، وقوله أي لسليمان. قوله: (دعا بالاسم الأعظم) قيل كان الدعاء الذي دعا به: يا ذا الجلال والإكرام، وقيل يا حي يا قيوم، وقيل يا إلهنا وإله كل شيء، إلهاً واحداً، لا إله إلا أنت ائتني بعرشها. قوله: (بأن جرى تحت الأرض) أي بحمل الملائكة له لأمر الله لهم بذلك. قوله: (أي ساكناً) أي غير متحرك، كأنه وضع من قبل بزمن متسع، وليس المراد مطلق الاستقرار والحصول، وإلا كان واجب الحذف، لأن الظرف يكون مستقراً، وعلى ما ذكره المفسر فالظرف لغو عامله خاص مذكور فتدبر. قوله: ﴿ مِن فَضْلِ رَبِّي ﴾ أي إحسانه إليّ. قوله: (وإدخال ألف) الخ، أي فالقراءات أربع سبيعات، وبقيت خامسة وهي إدخال ألف بين المحققين. قوله: (لأن ثواب شكره له) أي لأن الشكر سبب في زيادة النعم، قال تعالى:﴿ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ﴾[إبراهيم: ٧].
قوله: (بالإفضال على من يكفرها) أي فلا يقطع نعمه بسبب إعراضه عن الشكر وكفران النعمة. قوله: ﴿ قَالَ نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا ﴾ معطوف في المعنى على قوله: ﴿ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي ﴾ وكلاهما مرتب على قوله: ﴿ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ ﴾.
قوله: (إلى حالة تنكره إذا رأته) أي فالتنكير إبهام الشيء، بحيث لا يعرف ضد التعريف، ومنه النكرة والمعرفة في اصطلاح النحويين. قوله: ﴿ نَنظُرْ ﴾ هو بجواب الأمر. قوله: (قصد بذلك) الخ، أشار بذلك إلى حكمة التغيير. قوله: (لما قيل إن فيه شيئاً) أي نقصاً، والقائل له: ما ذكر الجن، وقالوا له: إن رجليها كرجلي حمار، وقالوا له أيضاً: إن في ساقيها شعراً لأنهم ظنوا أنه يتزوجها، فكرهوا ذلك لئلا تفشي له أسرار الجن، ولئلا يأتي منها أولاً فيخلفوه في استخدام الجن فيدوم عليهم الذل. قوله: ﴿ قِيلَ ﴾ (لها) القائل سليمان أو مأموره. قوله: ﴿ أَهَكَذَا عَرْشُكِ ﴾ الهمزة للاستفهام، والهاء للتنبيه، والكاف حرف جر، وذا اسم إشارة مجرور بها والجار والمجرور خبر مقدم، و ﴿ عَرْشُكِ ﴾ مبتدأ مؤخر، وفصل بين ها للتنبيه واسم الإشارة بحرف الجر وهو الكاف اعتناء بالتنبيه، وكان مقتضاه أن يقال: أكهذا عرشك. قوله: (أي أمثل هذا) أشار بذلك إلى أن الكاف اسم بمعنى مثل، وقولهم لا يفصل بين ها للتنبيه واسم الإشارة بشيء من حروف الجر إلا بالكاف معناه ولو صورة، وإن كانت في المعنى اسماً بمعنى مثل. قوله: (وشبهت عليهم) الخ، أي فأتت بهذه العبارة مشاكلة لكلام سليمان، والمشاكلة الإتيان بمثل الكلام السابق وإن لم يتحد الكلامان كقوله تعالى:﴿ وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُ ﴾[آل عمران: ٥٤].
قوله: (قال سليمان) أي تحدثاً بنعمة الله. قوله: ﴿ وَأُوتِينَا ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا ﴾ أي العلم بالله وصفاته من قبل أن تؤتى هي العلم بما ذكر، وكنا مسلمين من قبل أن تسلم، فنحن أسبق منها علماً وإسلاماً. قوله: ﴿ وَصَدَّهَا ﴾ أي منعها، وقوله: ﴿ مَا كَانَت ﴾ فاعل صد، والمعنى منعها عن عبادة الله الذي كانت تعبد من دون الله وهو الشمس. قوله: ﴿ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ﴾ بكسر إن في قراءة العامة استئناف، وقرئ شذوذاً بفتحها على إسقاط حرف التعليل. قوله: ﴿ قِيلَ لَهَا ﴾ (أيضاً) أي كما قيل نكروا لها عرشها. قوله: (هو سطح) وقيل الصرح القصر أو صحن الدار. قوله: (من زجاج أبيض) أي وهو المسمى بالبلور. قوله: (اصطنعه سليمان) أي أمر الشياطين به، فحفروا حفيرة كالصهريج، وأجروا فيها الماء، ووضعوا فيها سمكاً وضفدعاً وغيرهما من حيوانات البحر، وجعلوا سقفها زجاجاً شفافاً، فصار الماء و ما فيه يرى من هذا الزجاج، فمن لم يكن عالماً به، يظن أنه ماء مكشوف يخاض فيه مع أنه ليس كذلك. قوله: (لما قيل له) القائل ذلك الجن. قوله: ﴿ فَلَمَّا رَأَتْهُ ﴾ أي أبصرته. قوله: ﴿ وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ﴾ أي على عادة من أراد خوض الماء، قيل لما رأت اللجة فزعت وظنت أنه قصد بها الغرق، فلما لم يكن لها بد من امتثال الأمر، سلمت وكشفت عن ساقيها. قوله: (لتخوضه) أي لأجل أن تصل إلى سليمان. قوله: (فرأى ساقيها) إلخ، أي فلما علم ذلك صرف بصره عنها. قوله: ﴿ مُّمَرَّدٌ ﴾ صفة أولى لصرح، وقوله: ﴿ مِّن قَوارِيرَ ﴾ صفة ثانية جمع قارورة. قوله: (مملس) ومنه الأمرد لملاسة وجهه أي نعومته الشعر به. قوله: (بعبادة غيرك) أي وهو الشمس. قوله: ﴿ مَعَ سُلَيْمَانَ ﴾ حال من التاء في ﴿ أَسْلَمْتُ ﴾ كما أشار لذلك بقوله: (كائنة) والمعنى أسلمت حالة كوني مصاحبة له في الدين، ولا يصح أن يكون متعلقاً بأسلمت، لأنه يوهم أنها متحدة معه في الإسلام في زمن واحد. قوله: (فعملت له الشياطين النورة) أي بعد أن سأل الإنس عما يزيل الشعر، فقالوا له: يحلق بالموسى، فقالت: لم يمس الحديد جسمي، فكره سليمان الموسى وقال إنها تقطع ساقيها، فسأل الجن فقالوا لا ندري، فسأل الشياطين فقالوا: نحتال لك حتى يكون جسدها كالفضة البيضاء، فاتخذوا النورة والحمام، فكانت النورة والحمام من يومئذ. قوله: (فتزوجها) أي وولدت منه ولداً وسمته داود، ومات في حياة أبيه، وبقيت معه إلى أن مات وهذا أحد قولين، وقيل إنها لما أسلمت قال لها سليمان: اختاري رجلاً من قومك حتى أزوجك إياه، فقالت: ومثلي يا نبي الله ينكح الرجال، وقد كان لي من قومي الملك والسلطان؟ قال: نعم إنه لا يكون في الإسلام إلا ذلك، ولا ينبغي لك أن تحرمي ما أحل الله، قالت: إن كان ولا بد، فزوجني ذا تبع ملك همدان، فزوجها إياه وذهب بها إلى اليمن، وملك زوجها ذا تبع على اليمن، ودعا سليمان زوبعة ملك الجن وقال له: اعمل لذي تبع ما استعملك فيه، فلم يزل يعمل له ما أراد، إلى أن مات سليمان، وحال الحول ولم يعلم الجن موته، فأقبل رجل منهم حتى بلغ جوف اليمن وقال بأعلى صوته: يا معشر الجن، إن سليمان قد مات فارفعوا أيديكم، فرفعوا أيديهم وتفرقوا. قوله: (وأقرها على ملكها) أي وأمر الجن فبنوا لها بأرض اليمن ثلاثة حصون لم يرَ الناس مثلها في الارتفاع والحسن. قوله: (ويقيم عندها ثلاثة أيام) أي وكان يبكر من الشام إلى اليمن، ومن اليمن إلى الشام. قوله: (روي أنه ملك) أي أعطي الملك. قوله: (فسبحان من لا انقضاء لدوام ملكه) أي فما سواه يفنى، وهو الباقي بلا زوال، قال العارف: ما آدم في الكون وما إبليس   ما مالك سليمان وما بلقيسالكل إشارة وأنت المعنى   يا من هو للقلوب مغناطيسفالأكوان جميعها إشارات دالة على المقصود بالذات وهو الواحد القهار.


الصفحة التالية
Icon