قوله: ﴿ وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ ﴾ معطوف على قوله:﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ﴾[النمل: ٨٣].
قوله: (النفخة الأولى) أي وتسمى نفخة الصعق، ونفخة الفزع فعبر عنها بالفزع، وفي سورة الزمر بالصعق، قال تعالى:﴿ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ ﴾[الزمر: ٦٨] الخ، فعند حصولها يموت كل حي ما عدا ما استثنى، وأما النفخة الثانية فعندها يحيا كل من كان ميتا، فالنفخة اثنتان وبينهما أربعون سنة، وقيل إنها ثلاث: نفخة الزلزلة وذلك حين تسير الجبال وترتج الأرض بأهلها، ونفخة الموت، ونفخة الإحياء، والقول الأولى هو المشهور، والصحيح في الصور أنه قرن من نور خلقه الله وأعطاه إسرافيل، فهو واضعه على فيه، شاخص ببصره إلى العرش، ينتظر متى يؤمر بالنفخة، وعظم كل دائرة فيه كعرض السماء والأرض، ويسمى بالبوق في لغة اليمن. قوله: (من إسرافيل) أي وهو أحد الرؤساء الأربعة: جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل. قوله: ﴿ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ ﴾ أي من كل من كان حياً في ذلك الوقت. قوله: (أي خافوا الخوف المفضي إلى الموت) أي استمر بهم الخوف إلى أن ماتوا به. قوله: (والتعبير بالماضي) الخ، جواب عما يقال: إن الفزع مستقبل فلم عبر بالماضي؟ فأجاب بأنه لتحققه نزل منزلة الواقع، لأن الماضي والحال والاستقبال بالنسبة لعلمه تعالى واحد، لتعلق العلم به. قوله: (أي جبريل) الخ، أي فهؤلاء الأربعة لا يموتون عند النفخة الأولى، بخلاف باقي الملائكة، وإنما يموتون بين النفختين، ويحيون قبل الثانية. قوله: (وعن ابن عباس هم الشهداء) وقيل أهل الجنة من الحور العين والولدان وخزنة الجنة والنار، وقيل: موسى، وقيل جميع الأنبياء. قوله: (إذ هم أحياء) أي حياة برزخية لا تزول ولا تحول، ولكن ليست كحياة الدنيا. قوله: (أي كلهم) أي المخلوقات من صعق ومن لم يصعق. قوله: (بصيغة الفعل) أي الماضي، فيقرأ بفتح الهمزة مقصورة وتاء مفتوحة وواو ساكنة. قوله: (واسم الفاعل) أي فيقرأ بعد الهمزة وضم التاء وسكون الواو، وأصله آتون له، حذفت باللام للتخفيف والنون للإضافة، والقراءتان سبعيتان. قوله: (صاغرين) أي أذلاء لهيبة الله تعالى، فيشمل الطائع والعاصي، وليس المراد ذل المعاصي، والمعنى أن إسرافيل حين ينفخ في الصور النفخة الثانية التي بها يكون إحياء الخلق، يأتي كل إنسان ذليلاً لهيبة الله تعالى. قوله: ﴿ وَتَرَى ٱلْجِبَالَ ﴾ عطف على قوله: ﴿ يُنفَخُ ﴾.
قوله: (وقت النفخة) أي الثانية، لأن تبديل الأرض وتسيير الجبال وتسوية الأرض، إنما يكون بعد النفخة الثانية، كما يشهد به قوله تعالى:﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً ﴾[طه: ١٠٥] الآية، وقوله تعالى:﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ ﴾[ابراهيم: ٤٨] الآية. قوله: (لعظمها) أي وذلك لأن الأجرام الكبار، إذا تحركت مرة واحدة، لا تكاد تبصر حركتها. قوله: (المطر) الصواب إبقاء اللفظ على ظاهره، لأن تفسير السحاب بالمطر لم يقله أحد، ولعل الباء سقطت من قلم المصنف، والأصل من السحاب بالمطر. قوله: (حتى تقع) أي الجبال على الأرض. قوله: (مبسوسة) أي مفتتة كالرمل السائل. قوله: (كالعهن) أي الصوف المنفوش. قوله: (مؤكد لمضمون الجملة قبله) أي لأن ما تقدم من نفخ الصور وتسيير الجبال وغير ذلك، إنما هو من صنع الله لا غيره. قوله: ﴿ ٱلَّذِيۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ أي وضعه في محله على أكمل حالاته. قوله: (بالياء والتاء) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (أي لا إله إلا الله) إنما حمله على هذا التفسير ذكر المقابل، لأن الكب في النار ليس بمطلق سيئة، بل إنما يكون بالكفر وهو يقابل الإيمان، وحينئذٍ فأل في الحسنة للعهد، أي الحسنة المعهودة وهي كلمة التوحيد، وقيل الحسنة كل عمل خير من صلاة وزكاة وصدقة وغير ذلك من وجوه البر.