قوله: ﴿ قَالَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ ﴾ كلام مستأنف واقع في جواب سؤال مقدر تقديره ماذا قالوا؟ وجواب هذا السؤال: أنه حصل التنازع والتخاصم بين الرؤساء والأتباع فقال الأتباع: إنهم أضلونا، وقال الرؤساء ﴿ رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ ﴾ الخ، فهو بمعنى قوله تعالى:﴿ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعاً ﴾[ابراهيم: ٢١] الخ، وبمعنى﴿ وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ فِي ٱلنَّـارِ ﴾[غافر: ٤٧] الخ. قوله: ﴿ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ ﴾ أي ثبت وتحقق وهو قوله﴿ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾[هود: ١١٩].
قوله: (وهم رؤساء الضلال) أي الذين أطاعوهم في كل ما أمروهم به ونهوهم عنه. قوله: ﴿ رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَغْوَيْنَآ ﴾ الخ، اسم الإشارة مبتدأ، والموصول نعته، و ﴿ أَغْوَيْنَآ ﴾ صلته، والعائد محذوف قدره المفسر، و ﴿ أَغْوَيْنَاهُمْ ﴾ خبره، وصح الإخبار به لتقييده بقوله: ﴿ كَمَا غَوَيْنَا ﴾ ففيه زيادة فائدة على الصلة، والمعنى تسببنا لهم في الغي، فقلبوا منا ولم يتبعوا الرسل وما أنزل عليهم من الكتب التي فيها المواعظ والأوامر والنواهي، فلم نخيرهم عن أنفسنا، بل اخترنا لهم ما اخترناه لأنفسنا، فاتبعونا بهواهم. قوله: ﴿ تَبَرَّأْنَآ إِلَيْكَ ﴾ (منهم) هذا تقرير لما قبله. قوله: (وقدم المفعول) أي وهو قوله: ﴿ إِيَّانَا ﴾.
قوله: ﴿ وَقِيلَ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ ﴾ أي استغيثوا بآلهتكم متى عبدتموها لتنصركم وتدفع عنك ما نزل بكم، وهذا القول للتهكم والتبكيت لهم. قوله: ﴿ وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ ﴾ أي نازلاً بهم. قوله: (ما رأوه) هو جواب ﴿ لَوْ ﴾.
قوله: ﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ ﴾ معطوف على ما قبله فتحصل أنهم يسألون عن إشراكهم وجوابهم للرسل. قوله: ﴿ فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَنبَـآءُ ﴾ أي خفيت عليهم فلم يهتدوا لجواب فيه راحة لهم، أو الكلام على القلب، والأصل فعموا عن الأنباء، أي ضلوا وتحيروا في ذلك، فلم يهتدوا إلى جواب به نجاتهم. قوله: ﴿ فَهُمْ لاَ يَتَسَآءَلُونَ ﴾ (عنه) أي عن الخبر المنجي لحصول الدهشة لهم ولقنوطهم من رحمة الله حينئذ. قوله: ﴿ فَأَمَّا مَن تَابَ ﴾ الخ، أي رجع عن كفره في حال الحياة. قوله: ﴿ فَعَسَىٰ أَن يَكُونَ مِنَ ٱلْمُفْلِحِينَ ﴾ الترجي في القرآن بمنزلة التحقق لأنه وعد كريم، ومن شأنه لا يخلف وعده. قوله: ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ ﴾ سبب نزولها أن الوليد بن المغيرة، استعظم النبوة ونزول القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم، فنزلت هذه الآية رداً عليه، واختلف المفسرون في تفسير هذه الآية على أقوال كثيرة، فقيل يخلق ما يشاء من خلقه ويختار ما يشاء منهم لطاعته، وقيل يخلق ما يشاء من خلقه، ويختار ما يشاء لنبوته، وقيل يخلق ما يشاء محمداً، ويختار الأنصار لدينه، وقيل يخلق ما يشاء محمداً، ويختار ما يشاء أصحابه وأمته لما روي:" إن الله اختار أصحابي على العالمين، سوى النبيين والمرسلين، واختار من أصحابي أربعة يعني أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً، فجعلهم أصحابي، وفي أصحابي كلهم، خير، واختار أمتي على سائر الأمم، واختار لي من أمتي أربعة قرون "اهـ، فقد اختار محمداً على سائر المخلوقات، واختار أمته على سائر الأمم، فكما هو أفضل الخلق على الإطلاق، أمته أفضل الأمم على الإطلاق. قوله: ﴿ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ ﴾ بالتحريك والإسكان معناهما واحد وهو الاختيار، و ﴿ مَا ﴾ نافية، و ﴿ كَانَ ﴾ فعل ناقص، والجار والمجرور خبرها مقدم، و ﴿ ٱلْخِيَرَةُ ﴾ اسمها مؤخر، والجملة مستأنفة، فالوقف على يختار، والمعنى ليس للخلق جميعاً الاختيار في شيء، لا ظاهراً ولا باطناً، بل الخيرة لله تعالى في أفعاله، لما في الحديث القدسي:" يا عبادي أنت تريد، وأنا أريد، ولا يكون إلا ما أريد، فإن سلمت لي ما أريد أعطيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي ما أريد أتعبتك فيما تريد، ولا يكون إلا ما أريد "وإنما خص المفسر المشركين بذلك مراعاة لسبب النزول، ويصح أن تكون ﴿ مَا ﴾ مصدرية، وما بعدها مؤول بمصدر، والمعنى يختار اختيارهم فيه، ويصح أن تكون موصولة والعائد محذوف، والتقدير ويختار الذي لهم فيه الاختيار، وحينئذ فلا يصح الوقف على يختار، والأول أظهر، فالواجب على الإنسان، أن يعتقد أنه لا تأثير لشيء من الكائنات في شيء أبداً، وإنما يظهر على أيدي الخلق أسباب عادية يمكن تخلفها. قوله: ﴿ سُبْحَانَ ٱللَّهِ ﴾ أي تنزيهاً له عما لا يليق به. قوله: (من الكفر وغيره) أي كالإيمان، فيجازي الكافر بالخلود في الجنة.