قوله: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً ﴾ الخ، لما قدم سبحانه وتعالى تكاليف هذه الأمة، وبين أن من أطاع فله الجنة، ومن عصى فله النار، بين هنا أن هذه التكاليف ليست مختصة بهذه الأمة، بل من قبلهم كانوا كذلك، وتقدم أن نوحاً اسمه عبد الغفار، وقيل يشكر، وكان يسمى السكن، لأن الناس بعد آدم سكنوا اليه فهو أبوهم، ولقب بنوح لكثرة نوحه على قومه، وقل على خطيئته لما روي أنه مر بكلب فقال في نفسه ما أقبحه، فأوحى الله اليه أعبتني أم أعبت الكلب؟ اخلق أنت أحسن منه، ونوح وهو ابن لمك بن متوشلخ ابن إدريس بن برد من أهاليل بن قينان بن نوش بن شيث بن آدم عليه السلام. قوله: (وعمره أربعون سنة أو أكثر) تقدم أنه اختلف في الأكثر، فقيل بعث على رأس خمسين، وقيل مائتين وخمسين، وقيل مائة سنة، وقيل غير ذلك. قوله: ﴿ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾ الخ، الحكمة في ذكر لبثه هذه المدة، تسليته صلى الله عليه وسلم على عدم دخول الكفار في الإسلام، فكأن الله يقول لنبيه: لا تحزن فإن نوحاً لبث هذا العدد الكثير، ولم يؤمن من قومه إلى القليل، فصير وما ضجر، فأنت أولى بالصبر، لقلة مدة مكثك وكثرة من آمن من قومك، والحكمة في المغايرة بين العام والسنة التفنن، وخص لفظ العام بالخمسين، إشارة إلى أن نوحاً لما غرقوا استراح وبقي في زمن حسن، والعرب تعبر عن الخصب بالعام، وعن الجدب بالسنة. قوله: (طاف بهم وعلاهم) أي أحاط بهم وارتفع فوق أعلى جبل أربعين ذراعاً. قوله: (الذين كانوا معه فيها) قيل كانوا أربعين رجلاً وأربعين امرأة، وقيل تسعة أولاده الثلاثة وستة من غيرهم وقيل غير ذلك. قوله: (ستين أو أكثر) قيل عاش بعد الطوفان مائتين وخمسين سنة. قوله: ﴿ وَإِبْرَاهِيمَ ﴾ قرأ العامة بالنصب عطف على ﴿ نُوحاً ﴾ أو معمول المحذوف، كما درج عليه المفسر حيث قدر (اذكر) وقرئ شذوذاً بالرف على أنه مبتدأ، والخبر محذوف تقديره ومن المرسلين ابراهيم. قوله: ﴿ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ ﴾ أي امتثلوا ما يأمركم به على لسان نبيكم. قوله ﴿ وَٱتَّقُوهُ ﴾ أي اجتنبوا نواهيه. قوله: ﴿ ذٰلِكُمْ ﴾ أي ما ذكر من العبادة والتقوى. قوله: ﴿ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ (ما أنتم عليه) الخ، أي في زعمكم أن فيه خيراً، والأحسن أن يقال: ذلكم خير لكم من جميع الحظوظات المعجلة. قوله: (الخير) أي وهو عبادة الله، وقوله: (من غيره) أي وهو عبادة غيره. قوله: ﴿ أَوْثَاناً ﴾ جمع وثن، وهو ما يصنع من حجر وغيره ليتخذ معبوداً. قوله: ﴿ وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً ﴾ إي تختلقونه وتخترعونه. قوله: ﴿ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً ﴾ أي لا يستطيعون ذلك، لعجزهم وعدم قدرتهم عليه. قوله: (فاطلبوه منه) أي ولا تطلبوه من غيره، لأنه تكفل لكل دابة برزقها، قال تعالى:﴿ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا ﴾[هو: ٦].
قوله: ﴿ وَٱعْبُدُوهُ وَٱشْكُرُواْ لَهُ ﴾ أي لأن بالشكر تزداد النعم، قال تعالى:﴿ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ﴾[ابراهيم: ٧].
قوله: ﴿ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ أي تردون فيثيب الطائع ويعذب العاصي. قوله: ﴿ وَإِن تُكَذِّبُواْ ﴾ شرط حذف جوابه تقديره: فلا يضرني تكذيبكم، وإنما تضرون أنفسكم، وقوله: ﴿ فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ﴾ دليل الجواب، ومن هنا قوله:﴿ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ ﴾[العنكبوت: ٢٤] جمل معترضة كلام إبراهيم، وجواب قومه له، إشارة إلى أن المقصود بالخطاب أمة محمد صلى الله عليه وسلم. قوله: (من قبلي) ﴿ مِن ﴾ اسم موصول مفعول كذب، والمعنى فلم يضر الرسل تكذيب قومهم لهم. قوله: (في هاتين القصتين) أي قصة نوح وإبراهيم. قوله: (وقد قال تعالى) أي رداً على منكري البعث. قوله: (بالياء والتاء) أي فهما قراءتان سبعيتان.