قوله: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ ﴾ شروع في تسليته صلى الله عليه وسلم، والمراد بإقامة الوجه، بذل الهمة ظاهراً وباطناً في الدين. قوله: (أنت ومن اتبعك) أشار بذلك إلى أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد هو وأمته. قوله: ﴿ فِطْرَتَ ٱللَّهِ ﴾ منصوب بفعل محذوف قدره المفسر بقوله: (الزموها) وهي ترسم بالتاء المجرورة، وليس في القرآن غيرها، وقوله: (وهي دينه) أي دين الإسلام، وعلى هذا فالخلق جميعاً مجبولون على توحيد يوم ألست بربكم، ولذا قال صلى الله عليه وسلم:" كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه "وهذا غير ما سبق في علم الله، وأما هو فعلم أن قوماً يكفرون وقوماً يؤمنون، فمن سبق في علم الله إيمانه، فقد استمر على فطرته الأصلية، ومن سبق في علم الله كفره، فقد رجع عن فطرته، وإن كان سبق منه التوحيد، وحينئذ يكون معنى الآية، الزم أنت ومن اتبعك الفطرة التي فطرك ربك عليها وهي التوحيد، وهذا أحد أقوال ثلاثة في معنى الفطرة، وقيل المراد بها: الخلقة الأصلية التي ابتدأهم الله عليها من سعادة وشقاوة، وإلى ما يصيرون اليه عند البلوغ، فمن ابتدأ الله خلقه للضلالة صيره إلى الضلالة وإن عمل بأعمال الهدى، ومن ابتدأ الله خلقه للهدى صيره إلى الهدى وإن عمل بأعمال أهل الضلالة، وقيل إنها الخلقة والطبيعة التي في نفس الطفل يكون بها مهيأ لمعرفة ربه، ليس بين قلوبهم ومعرفة ربهم حجاب، كما خلق أسماعهم وأبصارهم قابلة للمسموعات والمبصرات، فما دامت باقية على تلك الهيئة أدركت الحق ودين الإسلام، ولا يحجبها عنه إلا وساوس الشياطين بعد البلوغ، ولذا كان كل من مات من بني آدم قبل بلوغه في الجنة، وإن كان من أولاد المشركين، وهذا القول قريب من معنى القول الأول. قوله: (أي لا تبدلوه) أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ﴾ خبر، والمراد منه الأمر. قوله: (توحيد الله) تفسير لقوله: ﴿ ذَلِكَ ﴾.
قوله: ﴿ يَعْلَمُونَ ﴾ (توحيد الله) أي بل جهلوا ذلك، فعبدوا غير الله. قوله: (حال من فاعل أقم) أي وما بينهما اعتراض. قوله: (وما أريد به) أي بالخطاب فإنه أريد به محمد ومن تبعه. قوله: (أي أقيموا) أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ وَٱتَّقُوهُ ﴾ عطف على محذوف مأخوذ من الحال قبله. قوله: ﴿ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ أي فأهل السعادة فرحون بسعادتهم، وأهل الشقاوة فرحون بما زينه لهم الشيطان لظنهم أنهم على حق. قوله: (وفي قراءة فارقوا) أي وهي سبعية أيضاً. قوله: ﴿ وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ﴾ ﴿ إِذَا ﴾ شرطية وجوابها قوله: ﴿ دَعَوْاْ رَبَّهُمْ ﴾، وقوله: (أي كفار مكة) خص ذلك بهم لأنه سبب النزول، وإلا فالعبرة بعموم اللفظ. قوله: ﴿ إِذَا فَرِيقٌ ﴾ ﴿ إِذَا ﴾ فجائية قائمة مقام الفاء، فهي رابطة للشرط. قوله: (أريد به التهديد) أي فاللام لام الأمر للتوبيخ والتقرير، على حد﴿ ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ ﴾[فصلت: ٤٠].
قوله: (عاقبة تمتعكم) قدره إشارة إلى أن مفعول ﴿ تَعْلَمُونَ ﴾ محذوف. قوله: (فيه التفات عن الغيبة) أي إلى الخطاب لأجل المبالغة في زجرهم.