قوله: ﴿ وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ ﴾ إلخ، شروع في ذكر قصة بني قريظة، وذكرت عقب الأحزان، لكونه بني قريظة كانوا من جملة الذين تحزبوا على رسول الله وأصحابه ونقضوا عهده وحاربوه، قال العلماء بالسير:" لما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليلة التي انصرف فيها الأحزاب راجعين إلى بلادهم، انصرف هو والمؤمنون إلى المدينة ووضعوا السلاح؟ قال: نعم، قال جبريل: عفا الله عنك، وما وضعت الملائكة السلاح منذ أربعين ليلة، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم، فقال: إن الله يأمرك بالسير إلى بني قريظة فانهض إليهم، فإني قد قطعت أوتارهم، وفتحت أبوابهم، وتركتهم في زلزال، وألقيت الرعب في قلوبهم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم منادياً ينادي: إن من كان مطيعاً فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة، فحاصرهم المسلمون خمساً وعشرين ليلة، حتى جهدهم الحصار، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتنزلون على حكمي؟ فأبوا فقال: أتنزلون على حكم سعد بن معاذ سيد الأوس؟ فرضوا به، فحكمه فيهم، فقال سعد: إني أحكم فيهم، أن تقتل الرجال، وتقسم الأموال، وتسبى الذراري -النساء- فقال صلى الله عليه وسلم: (لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات)، فحبسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار بنت الحرث، من نساء بني النجار، ثم خرج إلى سوق المدينة الذي هو سوقها اليوم، فخندق فيه خندقاً، ثم بعث إليهم، فأتى بهم إليه وفيهم حيي بن أخطب رئيس بني النضير، وكعب بن أسد رئيس بني قريظة، وكانوا ستمائة أو سبعمائة، فأمر علياً والزبير بضرب أعناقهم، وطرحهم في ذلك الخندق، فلما فرغ من قتلهم وانقضى في شأنهم، توفي سعد المذكور بالجرح الذي أصابه في وقعة الأحزاب، وحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، قالت عائشة: فوالذي نفس محمد بيده. إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وأنا في حجرتي، قالت: وكانوا كما قال الله تعالى ﴿ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ ﴾ "قوله: (وهو ما يتحصن به) أي سواء كان من الحصون أو لا، حتى الشوكة والقرن وباب الدار ونحو ذلك، تسمى صيصية. قوله: ﴿ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ ﴾ بيان لما فعل بهم. قوله: (وهم المقاتلة) أي وكانوا ستمائة وقيل سبعمائة. قوله: (أي الذراري) أي وكانوا سبعمائة وقيل خمسين. قوله: (بعد) أي الآن وعبر بالماضي لتحقق الحصول. قوله: (وهي خيبر) أي وغيرها من كل أرض ظهر عليها المسلمون بعد ذلك إلى يوم القيامة. قوله: (أخذت بعد قريظة) أي بسنتين أو ثلاث، على الخلاف المتقدم في قريظة، هل هي في الرابعة أو الخامسة، وخيبر كانت في السابعة في أول محرم، وهي مدينة كبيرة ذات حصون ثمانية، وذات مزارع ونخل كثيرة، بينها وبين المدينة الشريفة أربع مراحل، فأقبل عليها صبيحة النهار، وفي تلك الليلة لم يصح لهم ديك ولم يتحركوا، وكان فيها عشرة آلاف مقاتل، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها وحاصرها، وبنى هناك مسجداً صلى به طول مقامه عندها، وقطع من نخلها أربعمائة نخلة، وسبى أهلها، وأصاب من سبيها صفية بنت حيي بن أخطب رئيس بن النضير، وكانت وقعت في سهم دحية الكلبي، فتنازع بعض الصحابة في شأن ذلك، فأخذها رسول الله وأرضاه، وكانت من سبط هارون أخي موسى، فأسلمت ثم أعتقها وتزوجها وجعل عتقها صداقها.