قوله: ﴿ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ ﴾ أي عظيم، فإن عداوته قديمة مؤسسة من عهد آدم، قوله: ﴿ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوّاً ﴾ أي فكونوا منه على حذر في جميع أحوالكم، ولا تأمنوا له في السر والعلانية، ولا تقبلوا منه صرفاً ولا عدلاً، قال البوصيري: وخالف النفس والشيطان واعصهما وإن هما محضاك النصح فاتهمولا تطع منهما خصماً ولا حكما فأنت تعرف كيد الخصم والحكمقوله: ﴿ إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ ﴾ إلخ بيان لوجه عداوته وتحذير من طاعته. قوله: (هذا) أي قوله: ﴿ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ إلى آخره، والمعنى من كفر من أول الزمان إلى آخره، فله العذاب الشديد، ومن آمن من أول الزمان إلى آخره، فله المغفرة والأجر الكبير. قوله: (ونزل في أبي جهل وغيره) أي من مشركي مكة، كالعاص بن وائل، والأسود بن المطلب، وعقبة بن أبي معيط وأضرابهم، ويؤيد هذا القول آيات منها:﴿ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ﴾[البقرة: ٢٧٢].
ومنها:﴿ وَلاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ ﴾[آل عمران: ١٧٦].
ومنها:﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً ﴾[الكهف: ٦] وغير ذلك. ففي هذه الآيات تسلية له صلى الله عليه وسلم على كفر قومه، وقيل: هذه الآية نزلت في الخوارج الذين يحرفون تأويل الكتاب والسنة، ويستحلون بذلك دماء المسلمين وأموالهم، استحوذ عليهم الشيطان، فأنساهم ذكر الله، أولئك حزب الشيطان، ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون، نسأل الله الكريم أن يقطع دابرهم. وقيل: نزلت في اليهود والنصارى. وقيل: نزلت في الشيطان، حيث زين له أنه العابد التقي، وآدم العاصي، فخالف ربه لاعتقاده أنه على كل شيء. قوله: ﴿ أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ ﴾ أي زين له الشيطان ونفسه الأمارة عمله السيئ، فهو من اضافة الصفة للموصوف. قوله: (بالتمويه) أي التحسين ظاهراً بأن غلبه وهمه على عقله، فرأى الحق باطلاً، والباطل حقاً، وأما من هداه الله، فقد رأى الحق حقاً فاتبعه، ورأى الباطل باطلاً فاجتنبه. قوله: (لا) أشار بذلك إلى أن الاستفهام انكاري. قوله: (دل عليه) أي على تقدير الخبر، والمعنى حذف الخبر لدلالة قوله: ﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ ﴾ إلخ عليه، وفي هذه الآية رد على المعتزلة الذين يزعمون أن العبد يخلق أفعال نفسه، فلو كان كذلك، ما أسند الاضلال والهدى لله تعالى. قوله: ﴿ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ ﴾ عامة القراء على فتح التاء والهاء، ورفع نفس على الفاعلية، ويكون المعنى: لا تتعاط أسباب ذلك، وقرئ شذوذاً بضم الناء وكسر الهاء، و ﴿ نَفْسُكَ ﴾ مفعول به، ويكون المعنى: لا تهلكها على عدم إيمانهم. قوله: ﴿ حَسَرَاتٍ ﴾ مفعول لأجله، جمع حسرة، وهي شدة التلهف على الشيء الفائت. قوله: (فيجازيهم عليه) أي إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. قوله: (وفي قراءة الريح) أي وهي سبعية أيضاً. قوله: (لحكاية الحال الماضية) أي استحضاراً لتلك الصورة العجيبة التي تدل على كمال قدرته تعالى. قوله: (أي تزعجه) أي تحركه وتثيره. قوله: (فيه التفات عن الغيبة) أي الكائنة في قوله: ﴿ وَٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ﴾.
قوله: ﴿ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ ﴾ البلد يذكر ويؤنث، يطلق على القطعة من الأرض، عامرة أو خالية. قوله: (بالتشديد والتخفيف) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (لا نبات بها) أي فالمراد بالموت وعدم النبات والمرعى، وبالحياة وجودهما. قوله: (من البلد) (من) بيانية. قوله: ﴿ كَذَلِكَ ٱلنُّشُورُ ﴾ أي كمثل احياء الأرض بالنبات احياء الأموات، ووجه الشبه، أن الأرض الميتة لما قبلت الحياة اللائقة بها، كذلك الأعضاء تقبل الحياة اللائقة بها، فإن البلد الميت تساق إليها المياة فتحيا بها، والأجساد تساق إليها الأرواح فتحيا بها. قوله: ﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً ﴾ ﴿ مَن ﴾ من شرطية مبتدأ، وجوابها محذوف، قدره المفسر بقوله: (فليطعمه) وقوله: ﴿ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ ﴾ تعليل للجواب، واختلف في هذه الآية فقيل: المراد من كان يريد أن يسأل عن العزة لمن هي؟ فقل له: لله العزة جميعاً. وقيل: المراد من أراد العزة لنفسه فليطلبها من الله، فإن له لا لغيره، وطلبها بكون بطاعته والالتجاء إليه، والوقوف على بابه، لما ورد في الحديث: " من أراد عز الدارين فليطع العزيز، ومن طلب العزة من غيره تعالى كسي من وصفه، ومن التجأ إلى العبد كساه الله من وصف ذلك العبد، لما ورد: من استعز بقوم أورثه الله ذلهم، وقال الشاعر: وإذا تذللت الرقاب تواضعاً منا إليك فعزها في ذلهاقوله: (يعلمه) أشار بذلك إلى أن في الكلام مجازاً، فالصعود مجاز عن العلم، كما يقال: ارتفع الأمر إلى القاضي، يعني علمه، وعبر عنه بالصعود، إشارة لقبوله؛ لأن موضع الثواب فوق، وموضع العذاب أسفل، وقيل: المعنى يصعد إلى سمائه، وقيل: يحتمل الكتاب الذي كتب فيه طاعة العبد إلى السماء. قوله: (ونحوها) أي من الأذكار والتسبيح وقراءة القرآن. قوله: ﴿ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ ﴾ أي كالصلاة والصوم، وغير ذلك من الطاعات. قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ﴾ بيان لحال الكلم الخبيث والعمل السيء، بعد بيان حال الكلم الطيب والعمل الصالح. قوله: (المكرات) قدره إشارة إلى أن السيئات. صفة لموصوف محذوف مفعول مطلق ليمكرون، لأن مكر لازم لا ينصب المفعول، والمكر: الحيلة والخديعة. قوله: (في دار الندوة) أي وهي التي بناها قصي بن كلاب للتحدث والمشاورة. قوله: (كما في الأنفال) أي في قوله تعالى:﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾[الأنفال: ٣٠] الآيات، وقد فصلت هناك. قوله: ﴿ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ ﴾ أتى باسم الاشارة البعيد، اشارة لبعدهم عن الرحمة واشتهارهم بالبغي والفساد. قوله: ﴿ هُوَ يَبُورُ ﴾ مبتدأ ثان، و ﴿ يَبُورُ ﴾ خبره، والجملة خبر الأول، ويصح أن يكون ضمير فصل لا محل له من الاعراب، وقولهم: إن الفصل لا يقع قبل الخبر إذا كان فعلاً مردود بجواز ذلك. قوله: (بخلق أبيكم آدم منه) ويصح أن يراد ﴿ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَاب ﴾ بواسطة أن النطفة من الغذاء وهو من التراب. قوله: ﴿ أَزْوَاجاً ﴾ أي أصنافاً. قوله: ﴿ مِنْ أُنْثَىٰ ﴾ ﴿ مِنْ ﴾ زائدة في الفاعل. قوله: (حال) أي من أنثى. قوله: ﴿ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ ﴾ بفتح الميم في قراءة العامة. قال ابن عباس: ما يعمر من معمر، إلا كتب عمره، كم هو سنة؟ وكم هو شهراً؟ وكم هو يوماً؟ وكم هو ساعة؟ ثم يكتب في كتاب آخر: نقص من عمره يوم، نقص شهر، نقص سنة، حتى يستوفي أجله، فما مضى من أجله فهو النقصان، وما يستقبله فهو الذي يعمره، وهذا هو الأحسن، وقيل: إن الله كتب عمر الإنسان مائة سنة إن أطاع، وتسعين إن عصى، فأيهما بلغ فهو كتاب، وهذا مثل قوله عليه السلام:" من أحب أن يبسط الله في رزقه، وينسأ له في أثره، أي يؤخر في عمره، فليصل رحمه "أي إنه يكتب في اللوح المحفوظ: عمر فلان كذا سنة، فإن وصل رحمه يزيد في عمره كذا سنة، فبين ذلك في موضع آخر من اللوح المحفوظ، أنه سيصل رحمه، فمن أطلع على الأول دون الثاني، ظن أنه زيادة أو نقصان. قوله: (أو معمر آخر) أي على حد: عندي درهم ونصفه، أي فالمعنى: ما يزاد في عمر شخص بأن يكون أجله طويلاً، ولا ينقص من عمر آخر بأن يكون عمره قصيراً إلا في كتاب. قوله: ﴿ إِنَّ ذَلِكَ ﴾ أي كتابة الأعمار والآجال، قوله: ﴿ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ أي سهل غير متعذر.