قوله: ﴿ وَازِرَةٌ ﴾ فاعل ﴿ تَزِرُ ﴾ وهو صفة لموصوف محذوف قدره المفسر بقوله: (نفس) والمعنى لا تحمل نفس وازرة وزر نفس أخرى، وأما غير الوزارة، فتحصل وزر الوزارة، بمعنى تشفع لها في غفرانه، لا بمعنى أنه ينتقل من الوزارة لغيرها. إن قلت: ما الجمع بين هذه الآية، وبين قوله تعالى:﴿ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ ﴾[العنكبوت: ١٣] الآية؟ أجيب: بأن تلك الآية محمولة على من ضل، وتسبب في الضلال لغيره، فعليه وزر ضلالة، ووزر تسببه، لأن تسببه من فعله، فلم يحمل إلا أثقال نفسه، فرجع الأمر إلى أن الإنسان لا يحمل وزر غيره أصله، بل كل نفس بما كسبت رهينة. قوله: ﴿ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا ﴾ أي وإن تدع نفس مثقلة بالذنوب نفساً إلى حملها، وهو بالكسر ما يحمل على ظهر أو رأس، وبالفتح ما كان في البطن أو على رأس شجرة. قوله: ﴿ لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ ﴾ العامة على قراءة يجمل مبيناً للمفعول، و ﴿ شَيْءٌ ﴾ نائب الفاعل، وقرئ شذوذاً تحمل، بفتح التاء وكسر الميم، مسنداً إلى ضمير النفس المحذوفة، وشيئاً مفعول تحمل. قوله: ﴿ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ﴾ العامة على قراءة ﴿ ذَا ﴾ بالنصب خبر ﴿ كَانَ ﴾ واسمها ضمير يعود على (المدعو) كما قدره المفسر، وقرئ شذوذاً بالرفع على أن ﴿ كَانَ ﴾ تامة، والمعنى وإن تدع نفس مذنبة مذنبة نفساً أخرى، إلى حمل شيء من ذنبها، لا يحمل منه شيء، ولو كانت تلك النفس الأخرى قريبة للداعية، كابنها أو أبيها، لما ورد: يلقى الأب والأم فيقولان له: يا بني احمل عنا بعض، فيقول: لا أستطيع حسبي ما علي. قوله: (وفي الشقين) أي الحمل القهري والاختياري. قوله: (حكم من الله تعالى) أي وهو لا يخلو عن حكمة عظيمة. قوله: ﴿ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ﴾ ﴿ إِنَّمَا ﴾ أداة حصر، والمعنى أن إنذارك مقصور على الذين يخشون ربهم، وقوله: ﴿ بِٱلْغَيْبِ ﴾ حال من فاعل قوله: ﴿ يَخْشَوْنَ ﴾ أي يخشونه، حال كونهم غائبين عنه، فالغيبة وصف العبيد لا وصف الرب، فإن وصف الرب قرب، قال تعالى:﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ ﴾[ق: ١٦] ووصف العبيد الغيبة والحجاب، فالعبيد محجوبون عن ربهم بصفات جلاله، ويصح أن يكون حالاً من المفعول، أي يخشونه، والحال أنه غائب عنهم، أي محتجب بجلاله فلا يرونه، وإلى هذا أشار المفسر بقوله: (وما رأوه) فعدم رؤية الله تعالى، إنما هو من تحجبه بصفات الجلال، فإذا تجلى بالجمال رأته الأبصار، وذلك يحصل في الآخرة لأهل الإيمان، وقد حصل في الدنيا لسيد الخلق على الإطلاق، وقد يتجلى بالجمال للقلوب في الدنيا فتراه، وهي الجنة المعجلة لأهل الله المقربين. قوله: (لأنهم المنتفعون بالإنذار) جواب عما يقال: كيف قصر الإنذار على أهل الخشية، مع أنه لجميع المكلفين. فأجاب: بأنه وجه قصره عليهم انتفاعهم به، فكأنه قال: إنما ينفع إنذارك أهل الخشية. قوله: (أداموها) أي واظبوا عليها، بأركانها وشروطها وآدابها، وفي نسخة أدوها. قوله: (وغيره) أي كالمعاصي. قوله: (فصلاحه مختص به) أي فهو قاصر عليه لا يتعداه، فيجزى بالعمل في الآخرة، أي الخير والشر. قوله: ﴿ وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ ﴾ إلخ، مثل ضربه الله المؤمن والكافر، وأفاد أولاً الفرق بين ذاتيهما، وثانيهما وصفيهما، وثالثاً بين داريهما في الآخرة، وأما قوله: ﴿ وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَحْيَآءُ ﴾ إلخ، فهو مثل آخر على أبلغ وجه، لأن الأعمى ربما يكون فيه بعض نفع، بخلاف الميت. قوله: ﴿ وَلاَ ٱلظُّلُمَاتُ وَلاَ ٱلنُّورُ ﴾ جمع ﴿ ٱلظُّلُمَاتُ ﴾ باعتبار أنواع الكفر، فإنه أنواعه كثيرة، بخلاف الإيمان، فهو نوع واحد. قوله: ﴿ وَلاَ ٱلْحَرُورُ ﴾ هي الريح الحارة، خلاف السموم، فالحرور تكون بالنهار، والسموم بالليل، وقيل: الحرور والسموم: الليل والنهار. قوله: (وزيادة لا في الثلاثة) أي في الجمل الثلاث التي أولها ﴿ وَلاَ ٱلظُّلُمَاتُ وَلاَ ٱلنُّورُ ﴾ وثانيها ﴿ وَلاَ ٱلْحَرُورُ ﴾ وثالثها ﴿ وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَحْيَآءُ وَلاَ ٱلأَمْوَاتُ ﴾ وإنما زيدت للتأكيد في الجميع، لأن نفي المساواة معلوم من ما النافية. قوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ ﴾ من هنا إلى قوله: ﴿ نَكِيرِ ﴾ تسلية له. قوله: (شبههم بالموتى) أي في عدم التأثر بدعوته. قوله: ﴿ إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ ﴾ أي فليس عليك إلا التبليغ، والهدى بيد الله يؤتيه من يشاء. قوله: ﴿ بِٱلْحَقِّ ﴾ حال من الكاف، بدليل قول المفسر (بالهدى) كأنه قال: أرسلناك حال كونك هادياً. ﴿ وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ ﴾ أي تعلمها، وقوله: (نبي ينذرها) أي يخوفها من عقاب الله، وتنقضي شريعته بموته، فما بين الرسولين من أهل الفترة، وهم ناجون من أهل الجنة، وإن غيروا وبدلوا وعبدوا غير الله، بنص قوله تعالى:﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً ﴾[الإسراء: ١٥] وأما ما ورد من تعذيب بعض أهل الفترة، كعمرو بن لحي، وامرئ القيس، وحاتم الطائي، فقيل: إن ذلك لحكمة يعلمها الله لا لكفرهم، والتحقيق أنه خبر آحاد، وهو لا يعارض النص القطعي، وتقدم الكلام في ذلك عند قوله تعالى:﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً ﴾[الإسراء: ١٥].