قوله: ﴿ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ ﴾ هذا امتنان آخر مرتب على ما قبله، والمعنى: جعلنا سفينة نوح آية عظيمة على قدرتنا، ونعمة للخلق، وعلمناهم صنعة السفينة، فعملوا سفناً كباراً وصغاراً لينتفعوا بها. قوله: ﴿ مِّن مِّثْلِهِ ﴾ ﴿ مِّن ﴾ إما زائدة أو تبعيضية، وعلى كل فمدخولها حال من قوله: ﴿ مَا يَرْكَبُونَ ﴾.
قوله: (وهو ما عملوه) هذا أحد أقوال ثلاثة في تفسير المثل، الثاني: إنه خصوص الإبل، والثالث: إنه مطلق الدواب التي تركب. قوله: (بتعليم الله) دفع بهذا ما يقال: عادة الله تعالى إضافة صفة العبيد لأنفسهم، وإن كان هو الخالق لها حقيقة، فلم أضافها لنفسه؟ فأجاب: بأن التعليم والهداية لما كانتا منه، أضاف الخلق به، لأن سفينة نوح التي هي أصل السفن، كانت بمحض تعليم الله وإلهامه له. قوله: (مع إيجاد السفن) أي ومع ركوبهم لها. قوله: ﴿ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ ﴾ الصريخ بمعنى الصارخ، يطلق على المستغيث وعلى المغيث، فهو من تسمية الأضداد، والمراد الثاني. قوله: ﴿ إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا ﴾ ﴿ إِلاَّ ﴾ أداة استثناء، و ﴿ رَحْمَةً ﴾ مفعول لأجله، وهو استثناء مفرغ من عموم الأحوال، والمعنى: لا ننجيهم لشيء من الأشياء، إلا لأجل رحمتنا بهم وتمتيعهم الأمد الذي سبق في علمنا. قوله: (كغيركم) أي وهم المؤمنون. قوله: (من عذاب الآخرة) أشار بذلك إلى أن لفظ الخلف، كما يطلق على ما مضى، يطلق على ما يأتي، فهو من تسمية الأضداد، وسمى ما يأتي خلفاً لغيبته عنا. قوله: (أعرضوا) قدره إشارة إلى أن جواب الشرط محذوف، دل عليه قوله: ﴿ وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ ﴾ إلخ. قوله: ﴿ مِّنْ آيَةٍ ﴾ ﴿ مِّنْ ﴾ زائدة، وقوله: ﴿ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ ﴾ ﴿ مِّنْ ﴾ تبعيضية. قوله: ﴿ إِلاَّ كَانُواْ ﴾ إلخ، الجملة حالية. قوله: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ ﴾ إلخ. أشار بذلك إلى أنهم كما تركوا حقوق الخالق، وهذه الآية نزلت حكاية عن بعض جبابرة مكة، كالعاص بن وائل السهمي وغيره، كان إذا سأله المسكين قال له: اذهب إلى ربك فهو أولى مني بك، قد منعك الله، أفأطعمك أنا؟ وقد تمسك بهذا بخلاء المسلمين حيث يقولون: لا نعطي من حرمه الله، ولم يعلموا أن الفقراء يحملون زاد الأغنياء للآخرة، ولولا الفقراء ما انتفع الغني بغناه. قوله: ﴿ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ أي بالصانع، أن ينكرون وجوده، وهم فرقة من جبابرة مكة. قوله: ﴿ مَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطْعَمَهُ ﴾ مفعول ﴿ أَنُطْعِمُ ﴾ وقوله: ﴿ أَطْعَمَهُ ﴾ جواب ﴿ لَّوْ ﴾.
قوله: (في معتقدكم) أي الفقراء المؤمنون، لا في معتقد الكفار الأغنياء، فإنهم ينكرون الصانع كما علمت. قوله: (في قولكم لنا ذلك) أشار بذلك إلى أن هذا من كلام الكفار للمؤمنين. ويؤيده ما روي: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه، كان يطعم مساكين المسلمين، فلقيه أبو جهل فقال: يا أبا بكر، أتزعم أن الله قادر على إطعام هؤلاء؟ قال: قال: نعم، قال: فما باله لم يطعمهم؟ قال: ابتلى قوماً بالفقر، وقوماً بالغنى، وأمر الفقراء بالصوم، والأغنياء بالإعطاء، فقال أبو جهل: والله يا أبا بكر، إن أن إلا في ضلال، أتزعم أن الله قادر على إطعام هؤلاء، وهو لا يطعمهم، ثم تطعمهم أنت؟ وقيل: إنه من كلام المؤمنين للكفار، وقيل: من كلام الله تعالى رداً عليهم. قوله: (موقع عظيم) أي وهو التبكيت والتقبيح عليهم.