قوله: ﴿ وَنَصَرْنَاهُمْ ﴾ الضمير عائد على موسى وهارون وقومهما. قوله: ﴿ فَكَانُواْ هُمُ ٱلْغَٰلِبِينَ ﴾ يصح أن يكون ﴿ هُمُ ﴾ ضمير فصل أول بدلاً من الواو في كانوا، والأول أظهر. قوله: (وغرهما) أي كالقصص والمواعظ. قوله: ﴿ وَهَدَيْنَاهُمَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ ﴾ أي وصلناهما للدين الحق. قوله: ﴿ سَلاَمٌ ﴾ مبتدأ خبره محذوف قدره بقوله: (منا) وقوله: ﴿ عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ ﴾ متعلق بسلام، والمسوغ للابتداء بالنكرة قصد التعظيم، وعملها في الجار والمجرور بعدها. قوله: (كما جزيناهما) أي ما تقدم، من الإنجاء والنصر وإيتاء الكتاب وإبقاء الثناء. قوله: ﴿ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ في مثل هذه الآيات، ترغيب للمؤمنين، وإشعار بأن كل مؤمن، قابل لكل خير وصالح له. قوله: ﴿ إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ أي الكاملين في الإيمان، البالغين الغاية فيه. قوله: ﴿ وَإِنَّ إِلْيَاسَ ﴾ معطوف على ما قبله، عطف قصة على قصة. قوله: (بالهمز أوله وتركه) أي بناء على أنها همزة قطع أو وصل، قراءتان سبعيتان، وسبب جواز الأمرين، أنه اسم أعجمي استعملته العرب، فلم تضبط فيه همزة قطع ولا وصل. قوله: ﴿ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾ خبر ﴿ إِنَّ ﴾.
قوله: (قيل هو ابن أخي هارون) إلخ، الصحيح أنه من ذرية هارون، لقول محمد بن اسحاق: هو الياس بن ياسين بن فنحاص بن معيزار بن هارون بن عمران وإلياس ابن عم اليسع. قوله: (وقيل غيره) من جملة ذلك، أنه هو إدريس، وقيل هو اليسع. قوله: (أرسل إلى قوم ببعلبك) حاصل قصته كما قال محمد بن اسحاق وعلماء السير والأخبار: لما قبض الله عز وجل حزقيل النبي صلى الله عليه وسلم، عظمت الأحداث في بني اسرائيل، وظهر فيهم الفساد والشرك، ونصبوا الأصنام وعبدوها من دون الله عز وجل، فبعث الله إليهم إلياس نبياً، وكانت الأنبياء يبعثون من بعد موسى عليه الصلاة والسلام في بني إسرائيل، بتجديد ما نسوا من أحكام التوراة، وكان يوشع لما فتح الشام، قسمها على بني إسرائيل، وإن سبطاً منهم حصل في قسمته بعلبك ونواحيها، وهم الذين بعث إليهم الياس، وعليهم يومئذ ملك اسمه أرحب، وكان قد أضل قومه، وجبرهم على عبادة الأصنام، وكان له صنم من ذهب، طوله عشرون ذراعاً، وله أربعة وجوه، وكان اسمه بعلاً، وكانوا قد فتنوا به وعظموه، وجعلوا له أربعمائة سادن، وجعلوهم أبناءه، وكان الشيطان يدخل في جوف بعل، ويتكلم بشريعة الضلال، والسدنة، يحفظونها عنه ويبلغونها الناس، وهم أهل بعلبك، وكان الياس يدعوهم إلى عبادة الله عز وجل، وهم لا يسمعون له ولا يؤمنون به، إى ما كان من أمر الملك، فإنه آمن به وصدقه، فكان الياس يقوم بأمره ويسدده ويرشده؛ ثم إن الملك ارتد واشتد غضبه على إلياس وقال: يا إلياس ما أرى ما تدعونا إليه إلا باطلاً، وهم بتعذيب إلياس وقتله، فلما أحس إلياس بالشر، رفضه وخرج عنه هارباً، ورجع الملك إلى عبادة بعل، ولحق إلياس بشواهق الجبال، فكان يأوي إلى الشعاب والكهوف، فبقي سبع سنين على ذلك خائفاً مستخفياً، يأكل من نبات الأرض وثمار الشجر، وهم في طلبه قد وضعوا عليه العون، والله يستره منهم، فلما طال الأمر على الياس، وسئم الكمون في الجبال، وهم في طلبه قد وضعوا عليه العيون، والله يستره منهم، فلما طال الأمر على الياس، وسئم الكمون في الجبال، وطال عصيان قومه، وضاق بذلك ذرعاً، دعا ربه عز وجل أن يريحه منهم، فقيل: انظر يوم كذا وكذا، فاخرج إلى موضع كذا فما جاءك من شيء فاركبه ولا تهبه، فخرج الياس ومعه اليسع، حتى إذا كان بالموضع الذي أمر له، إذا أقبل فرس من نار، وقيل لونه كالنار، حتى وقف بين يدي الياس، حتى إذا كان بالموضع الذي أمر به، إذا أقبل فرس من نار، وقيل لونه كالنار، حتى وقف بين يدي الياس، فوثب عليه، فانطلق به الفرس، فناداه اليسع: يا الياس ما تأمرني. فقذف إليه الياس بكسائه من الجو الأعلى، فكان ذلك علامة استخلافه إياه على بني اسرائيل، وكان ذلك آخر العهد به، ورفع الله الياس من بين أظهرهم وقطع عنه لذة المطعم والمشرب، وكساه الريش، فصار إنسياً ملكياً أرضياً سماوياً، ونبأ الله تعالى اليسع، وبعثه رسولاً إلى بني اسرائيل، وأوحى الله إليه وأيده، فآمنت به بنو اسرائيل، وكانوا يعظمونه وحكم الله تعالى فيهم قائم، إلى أن فارقهم اليسع، وقد أعطى الله الياس معجزات جمة منها: تسخير الجبال له، والأسود وغيرهما، وأعطاه الله قوة سبعين نبياً، وكان على صفة موسى في الغضب والقوة. روي أن الياس والخضر يصومان رمضان كل عام ببيت المقدس، ويحضران موسم الحج كل عام، ويفترقان على أربع كلمات: بسم الله ما شاء الله لا يسوق الخير إلا الله، بسم الله ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله، وقيل في الرواية غير ذلك، والياس موكل بالفيافي والقفار، والخضر موكل بالبحار، ولا يموتان إلا في آخر الزمان حين يرفع القرآن. وعن أنس قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كنا عند عند فج الناقة، فسمعت صوتاً يقول: اللهم اجعلني من أمة محمد، المرحومة، المغفور لها، المستجاب لها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا أنس انظر ما هذا الصوت؟ فدخلت الجبل، فإذا رجل عليه ثياب بيض، أبيض الرأس واللحية، طوله أكثر من ثلاثمائة ذراع، فلما رآني قال: أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: نعم، قال: فارجع إليه فاقرأه السلام وقل له: هذا أخوك الياس يريد أن يلقاك، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فجاء يمشي وأنا معه، حتى إذا كنا قريباً منه، تقدم النبي وتأخرت أنا، فتحدثا طويلاً، فنزل عليهما من السماء شيء يشبه السفرة، ودعوان فأكلت معهما، وإذا فيها كمأة ورمان وحوت وكرسف، فلما أكلت قمت فتنحيت، فجاءت سحابة فحملته، وأنا أنظر إلى بياض ثيابه فيها تهوي قبل السماء. انتهى.


الصفحة التالية
Icon