قوله: ﴿ خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ هذا من جملة أدلة توحيده وانفراده بالعزة والقهر، وجميع صفات الألوهية. قوله: ﴿ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا ﴾ إن قلت: إن ﴿ ثُمَّ ﴾ للترتيب، فيقتضي أن خلق الذرية قبل خلق حواء، هو خلاف المعروف المشاهد. وأجيب بثلاثة أجوبة، الأول: أن ﴿ ثُمَّ ﴾ لمجرد الإخبار، لا لترتيب الإيجاد. الثاني: أن المعطوف متعلق بمعنى واحدة، و ﴿ ثُمَّ ﴾ عاطفة عليه، كأنه قال: خلقكم من نفس كانت متوحدة لم يخلق نظيرها، ثم شفعت بزوج. الثالث: أن معنى ﴿ خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ أخرجكم منها يوم أخذ الميثاق في دفعة واحدة، لأن الله تعالى خلق آدم، وأودع في صلبه أولاده كالذر، ثم أخرجهم وأخذ عليهم الميثاق، ثم ردهم إلى ظهره، ثم خلق منهم حواء. قوله: ﴿ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ﴾ إلخ إنما عبر عنها بالنزول، لأنها تكونت بالنبات، وهو غذاء لهان والنبات بالماء المنزل، فهو يسمى عندهم بالتدريج، ومنه قوله تعالى:﴿ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً ﴾[الأعراف: ٢٦] الآية، وقيل: إن الإنزال حقيقة لما روي أن الله خلق الأنعام في الجنة، ثم أنزلها في الأرض، كما قيل في قوله تعالى:﴿ وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ﴾[الحديد: ٢٥] فإن آدم لما هبط إلى الأرض نزل معه الحديد. قوله: ﴿ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ﴾ الزوج ما معه آخر من جنسه، ولا يستغنى بأحدهما عن الآخر. قوله: (كما بين في سورة الأنعام) أي في قوله:﴿ ثَمَٰنِيَةَ أَزْوَٰجٍ مَّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ ﴾[الأنعام: ١٤٣] الآيات. قوله: ﴿ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُـمْ ﴾ هذا بيان لكيفية الخلق الدالة على باهر قدرته تعالى. قوله: ﴿ خَلْقاً ﴾ مصدر ليخلقكم، وقوله: ﴿ مِّن بَعْدِ خَلْقٍ ﴾ صفى لخلقا. قوله: (أي نطفاً) إلخ، فيه قصور، وعكس ترتيب الإيجاد، فالمناسب أن يقول: أي حيواناً سوياً، من بعد عظام مكسوة لحماً، من بعد عظام عارية، من بعد مضغ، من بعد علق، من بعد نطف. قوله: ﴿ فِي ظُلُمَاتٍ ﴾ بدل اشتمال من بطون أمهاتكم بإعادة الجار، ولا يضر الفصل بين البدل والمبدل منه المصدر، لأنه من تتمة العامل فليس بأجنبي. قوله: (وظلمة المشيمة) أي فهي داخل الرحم، وهو داخل البطن، و (المشيمة) بوزن كريمة، وأصلها مشيمة بسكون الشين وكسر الياء، نقلت كسرة الياء إلى الساكن قبلها، وهي غشاء ولد الإنسان، ويقال لها الغلاف والكيس، ويقال لها من غير ولد الإنسان السلا. قوله: ﴿ ذَٰلِكُمُ ﴾ مبتدأ، و ﴿ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ ﴾ خبر أن له وجملة ﴿ لَهُ ٱلْمُلْكُ ﴾ خبر ثالث. قوله: ﴿ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ﴾ جملة مستأنفة نتيجة ما قبله، أي فحيث ثبت أنه ربنا وله الملك، نتج منه لا إله إلا هو. قوله: ﴿ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ ﴾ أي تمنعون. قوله: ﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ ﴾ اي له الغنى المطلق، فلا يفتقر إلى ما سواه. قوله: ﴿ وَلاَ يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلْكُفْرَ ﴾ أي لا يفعل فعل الراضي، بأن يثيب فاعله ويمدحه، بل يفعل فعل الساخط، بأن ينهى عنه، ويعاقب فاعله ويذمه عليه. قوله: (وإن أراده من بعضهم) أشار بهذا إلى أنه لا تلازم بين الرضا والإرادة، بل قد يرضى ولا يريد، وقد يريد ولا يرضى، وإنما التلازم بين الأمر والرضا، خلافاً للمعتزلة القائلين بالتلازم بين الرضا والإرادة، وبنوا على ذلك أموراً فاسدة، ومن هنا قال العلماء: إن الأمور أربعة: تارة يأمر ويريد وهو الإيمان من المؤمنين، وتارة لا يأمر ولا يريد وهو الكفر منهم، وتارة يأمر ولا يريد وهو الإيمان من الكفار، وتارة يريد ولا يأمر وهو الكفر من الكفار. وحكي أن رجلاً من العتزلة، تناظر مع رجل من أهل السنة، فقال المعتزلي: سبحان من تنزه عن الفحشاء، فقال السني: سبحان من لا يقع في ملكه إلا ما يشاء، فقال المعتزلي: أيريد ربك أن يعصى؟ فقال السني: أيعصى ربنا قهراً؟ فقال المعتزلي: أرأيت إن منعني الهدى، وحكم عليَّ بالردى، أحسن إلي أم أساء؟ فقال: إن منعك ما هو لك فقد أساء، وإن منعك ما هو له، فالمالك يفعل في ملكه كيف يشاء، فبهت المعتزلي. قوله: ﴿ يَرْضَهُ لَكُمْ ﴾ أي لأنه سبب لفوزكم بسعادة الدارين، لا لنتفاعه به، تعالى الله عن ذلك. قوله: (بسكون الهاء) إلخ، أي فالقراءات ثلاث سبعيات. قوله: ﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ﴾ أي لا يحمل شخص إثم كفر شخص آخرن وما ورد من أن الدال على الشر كفاعله، فمعناه أن عليه إثم فعله وإثم دلالته، ولا شك أن دلالته من فعله، فآل الأمر إلى عقابه على فعله، لا على فعل اغيره، وقوله: ﴿ وَازِرَةٌ ﴾ أي وأما غر الوازرة فتحمل وزر غيرها، بمعنى أن من كان ناجياً، وأذن له في الشفاعة يشفع في غيره، فينتفع المشفوع له بتلك الشفاعة إن كان مسلماً، وأما الكافر فلا ينتفع بشفاعة مسلم ولا كافر. قوله: ﴿ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴾ علة لقوله: ﴿ فَيُنَبِّئُكُـمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ أي يخبركم بأعمالكم، لأنه عليم بما في القلوب، فضلاً عن غيرها. قوله: (أي الكافر) أشار بهذا إلى أن أل في الإنسان للعهد.


الصفحة التالية
Icon