قوله: ﴿ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ﴾ الخ، لما ذكر فيما تقدم من جملة أدلة توحيده أربعة أشياء من دلائل الآفاق وهي: الليل والنهار والأرض والسماء، وثلاثة من دلائل الأنفس وهي: التصوير وحسن الصورة ورزق الطيبات، ذكر هنا كيفية خلق الأنفس ابتداء وانتهاء. قوله: (بخلق أبيكم آدم) الخ، أي فالكلام على حذف مضاف، ويصح إبقاء الكلام على ظاهره، باعتبار أن أصل النطفة الغذاء، وهو ناشئ من التراب. قوله: ﴿ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ﴾ أي بعد مضي أربعين يوماً. قوله: ﴿ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ﴾ أجمل هما في المراتب، وفصلها في سورة المؤمنون في قوله:﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ ﴾[المؤمنون: ١٢] الخ، أي فهنا حذف مرتبتين المضغة والعظم العاري عن اللحم. قوله: (بمعنى أطفالاً) إنما أوله بالجمع، لتحصل المطابقة بين الحال وصاحبها، فإن ﴿ طِفْلاً ﴾ حال من الكاف في ﴿ يُخْرِجُكُمْ ﴾ فالحال مفردة لفظاً جمع معنى، لأن لفظ الطفل يقع على المذكر والمؤنث، والمفرد والجمع، ومن ذلك قوله تعالى:﴿ أَوِ ٱلطِّفْلِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ ﴾[النور: ٣١].
قوله: ﴿ ثُمَّ ﴾ (يبقيكم) ﴿ لِتَـبْلُغُوۤاْ ﴾ أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ لِتَـبْلُغُوۤاْ ﴾ متعلق بمحذوف وهو معطوف على قوله: ﴿ يُخْرِجُكُمْ ﴾.
قوله: ﴿ ثُمَّ لِتَكُـونُواْ ﴾ معطوف على ﴿ لِتَـبْلُغُوۤاْ ﴾.
قوله: (بضم الشين وكسرها) أي فهما قراءتان سبعيتان؟ قوله: (فعل ذلك بكم لتعيشوا) قدره إشارة إلى أن قوله: ﴿ وَلِتَبْلُغُوۤاْ ﴾ معطوف على محذوف وهما علتان، والمعلول ما تقدم من الأفعال الصادرة منه تعالى. قوله: (وقتاً محدوداً) أي وهو وقت الموت. قوله: ﴿ وَلَعَلَّـكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ معطوف على قوله: ﴿ لِتَـبْلُغُوۤاْ ﴾ ويصح أن يكون معطوفاً على محذوف تقديره فعل ذلك لتتدبروا ﴿ وَلَعَلَّـكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾.
قوله: ﴿ هُوَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ ﴾ هذا نتيجة ما قبله، وقوله: ﴿ فَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً ﴾ مرتب على ما تقدم، والمعنى: من ثبت أن هذه أفعاله، علم أنه لا يعسر عليه شيء ولا يتوقف إلا على تعلق إرادته به. قوله: (بضم النون) أي على أنه خبر لمبتدأ محذوف، أي فهو يكون. قوله: (وفتحها) أي فهو منصوب بأن مضمرة وجوباً، بعد فاء السببية الواقعة في جواب الأمر، والقراءتان سبعيتان. قوله: (عقب الإرادة التي هي معنى القول المذكور) والأوضح أن يقول وهذا القول المذكور، كناية عن سرعة الإيجاد، فالمعنى: أن المراد إيجاد شيء وجد سريعاً من غير توقف على شيء، وإلا فكلام المفسر يقتضي أن معنى الآية: فإذا أراد إيجاد شيء، فإنما يريد إيجاده فيوجد، وهذا لا معنى له. قوله: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ ﴾ الخ، هذا تعجب من أحوالهم الشنيعة، وبيان لعاقبة أمرهم. قوله: ﴿ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ ﴾ إما بدل من الموصول قبله فهو في محل جر، أو في محل نصب أو رفع على الذم. قوله: (من التوحيد) أي وسائر الكتب والشرائع. قوله: (إذ بمعنى إذا) جواب عما يقال: إن سوف الذم. قوله: (من التوحيد) أي وسائر الكتب والشرائع. قوله: (إذ بمعنى إذا) جواب عما يقال: إن سوف للاستقبال، و (إِذِ) للماضي؛ وحينئذ فلا يصح تعلق الماضي بالمستقبل، فأجاب: بأنها مستعملة في الاستقبال مجازاً، والمسوغ إلى أن هذا الأمر محقق وواقع. قوله: (عطف على الأغلال) أي وقوله: ﴿ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ ﴾ خبر عنهما. قوله: (أو مبتدأ) الخ، أي وجملة ﴿ يُسْحَبُونَ ﴾ حال من الضمير المستكن في الظرف، أو مستأنفة واقعة في جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: فماذا حالهم؟ فقيل ﴿ يُسْحَبُونَ * فِي ٱلْحَمِيمِ ﴾.
قوله: (أو خبره) ﴿ يُسْحَبُونَ ﴾ أي وعليه فالرابط محذوف قدره بقوله: (بها) فتحصل أن المعنى: الأغلال والسلاسل تكون في أعناقهم، ويسحبون في جهنم على وجوههم؛ وهذا على الاعرابين الأولين؛ وعلى الثالث فالمعنى: أن الأغلال في أعناقهم، والسلاسل في أرجلهم، ويسحبون في جهنم، وكل صحيح. قوله: (أي جهنم) وقيل ﴿ ٱلْحَمِيمِ ﴾ الماء الحار. قوله: ﴿ يُسْجَرُونَ ﴾ أي يعذبون بأنواع العذاب. قوله: ﴿ ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ ﴾ التعبير بالماضي لتحقق الوقوع. قوله: ﴿ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ﴾ ترسم ﴿ أَيْنَ ﴾ مفصولة من ﴿ مَا ﴾.
قوله: (وهي الأصنام) تفسير لما. قوله: ﴿ بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً ﴾ هذا في أول الأمر يتبرؤون من عبادة الأصنام لرجاء أنه ينفعهم، فهو إضراب عن قوله: ﴿ ضَـلُّواْ عَنَّا ﴾ وهذا قبل أن تقرن بهم آلهتهم. قوله: (ثم أحضرت) جواب عما يقال: إن حمل الآية على هذا الوجه؛ يخالف قوله تعالى:﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾[الأنبياء: ٩٨] فأجاب: بأنهم أولاً تضل عنهم آلهتهم ويتبرؤون؛ ثم تحضر وتقرن بهم. قوله: (يقال لهم أيضاً) أي توبيخاً. قوله: (تتوسعون في المعاصي) أي تظهرون السرور في الدنيا؛ بالمعصية وكثرة المال وضياعه في المحرمات، فالمرح شدة الفرح، وهو إن كان ذكاً في الكفار؛ يجر بذيله على كل من توسع في معاصي الله، فله من هذا الوعيد نصيب. قوله: ﴿ ٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ ﴾ عطف على قوله: ﴿ ذَلِكُمْ ﴾ الخ، داخل في حيز القول المقدر. قوله: ﴿ فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ ﴾ لم يقل فبئس مدخل المتكبرين، لأن الدخول لا يدوم، وإنما يدوم المثوى، ولذا خصه بالذم.


الصفحة التالية
Icon