قوله: ﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ ﴾ إلخ، الحرث في الأصل إلقاء البذر في الأرض، ويطلق على الزرع الحاصل منه، ثم استعمل في ثمرات الأعمال ونتائجها، على سبيل الاستعارة، حيث شبهت ثمرات الأعمال بالغلال الحاصلة من البذر، بجامع حصول العمل والتعب في كل، فإن من أتعب نفسه أيام البذر، واشتغل بالحرث والزرع أراحها ووجد الثمرات أيام الحصاد، فكذلك من أتعب نفسه في الدنيا، وعمل ابتغاء وجه ربه، فإنه يجد ثمرات أعماله في الآخرة، ومنها هنا حديث:" الدنيا مزرعة للآخرة "، وهذه الآية عامة، لبيان حالص المخلص في عمله لوجه الله، والذي يطلب بعمله أعراض الدنيا ذكراً أو أنثى، لأن ﴿ مَن ﴾ من صيغ العموم، وقوله: (بعمله) المراد به خدمته في الدنيا، صلاة أو صوماً أو غيرهما، كالسعي على العيال، وحينئذ فالمدار على النية الحسنة، إذ بها تصير العادات عبادات. قوله: (الحسنة) منصوب بالمصدر الذي هو التضعيف. قوله: ﴿ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا ﴾ إلخ، أي بعمله وخدمته، والمعنى: من صرف نيته للدنيا، وجعل عمله وخدمته لها، نعطيه ما قسم له منها، وبعد ذلك ليس له في الآخرة حظ ولا نصيب، فالذي ينبغي للشخص أن يسعى فيما يرضي ربه، ويقصد بعمله وجه خالقه وسيده، يحصل له غنى الدنيا والآخرة، ومن معنى هذه الآية حديث:" إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دينا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه "وحديث:" أوحى الله إلى الدنيا: يا دنيا، من خدمني فاخدميه، ومن خدمك فاستخدميه "قوله: (ما قسم له) مفعول ﴿ نُؤْتِهِ ﴾.
قوله: ﴿ وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ ﴾ أي حظ من النعيم، واعلم أن المقام فيه تفصيل، فإن تجرد عمله للدنيا، وقدم السعي فيها على الإيمان، فهو مخلد في النار، وليس له في الآخرة نعيم أصلاً، وأما إن كان التفريط فيما عدا الإيمان، كأن يرائي بعمله قصداً لطلب الدنيا، فهم مسلم عاص، له نعيم في الآخرة غير كامل. قوله: ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ ﴾ قدرها المفسر ببل التي للانتقال من قصة إلى قصة، وقدرها غيره ببل، والهمزة التي للتوبيخ والتقريع، وهو متصل بقوله:﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً ﴾[الشورى: ١٣].
قوله: (شياطينهم) أي الذين شاركوكم في الكفر والعصيان. قوله: ﴿ شَرَعُواْ لَهُمْ ﴾ إسناد الشرع إلى الشياطين مجاز من الإسناد للسبب، أنها سبب إضلالهم. قوله: ﴿ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ﴾ أي حكم بين الكفار والمؤمنين، بأن يعذب الكفار، ويثيب المؤمنين، ولكن حكم الله وقضى في سابق أزله، أن الثواب والعقاب يكونان يوم القيامة.