قوله: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ ﴾ الخ، ترق في الإنكار، وانتقال إلى ما هو أشنع. قوله: (فرضاً) أي على سبيل الفرض والتقدير. قوله: ﴿ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً ﴾ أي فهو المتولي أموري، لا أحد يقدر على دفع ما أصابني منه غيره. قوله: ﴿ هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ ﴾ أي تخوضون وتقدحون في القرآن بقولكم: هو شعر، هو سحر، وغير ذلك. قوله: ﴿ كَفَىٰ بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ﴾ أي فيشهد لي بالصدق والبلاغ، وعليكم بالتكذيب والنكار. قوله: ﴿ ٱلرَّحِيمُ ﴾ (به) المناسب أن يقول: الرحيم بعباده، ليحسن ترتيب قوله: (فلم يعاجلكم) الخ، عليه. قوله: (فلم يعاجلكم بالعقوبة) أي بل أمهلكم لتتوبوا وترجعوا، عما أنتم عليه، ففيه وعد حسن بالمغفرة للتائبين، والرحمة بجميع العباد، إشارة إلى أن حلم الله ورحمته شاملة لهم، مع عظم خوفهم. قوله: (بديعاً) أشار بذلك إلى أن ﴿ بِدْعاً ﴾ صفة كحق وحقيق، وهو من الابتداع والاختراع، ويصح أن يكون مصدراً على حذف مضاف، أي ذا بدع، وقرئ شذوذاً بكسر الباء وفتح الدال جمع بدعة، أي ما كنت صاحب بدع، وبفتح الباء وكسر الدال، وصف كحذر. قوله: ﴿ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ ﴾ ﴿ مَا ﴾ استفهامية مبتدأ، والجملة بعدها خبرها، وهي معلقة لأدري عن العمل، فهي سادة مسد مفعوليها، ولما نزلت هذه الآية، فرح المشركون والمنافقون وقالوا: كيف نتبع نبياً لا يدري ما يفعل به ولا بنا؟ وإنه لا فضل له علينا، ولولا أنه ابتدع الذي يقوله من تلقاء نفسه، لأخبره الذي بعثه بما يفعله به، فنسخت هذه الآية، وأرغم الله أنف الكفار بنزول قوله تعالى﴿ لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾[الفتح: ٢] الآيات، فقالت الصحابة: هنيئاً لك يا رسول الله، لقد بين الله لك ما يفعل بك، فليت شعرنا ما هو فاعل بنا؟ فنزلت﴿ لِّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ ﴾[الفتح: ٥] الآية. ونزلت﴿ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً ﴾[الأحزاب: ٤٧] فهذه الآية نزلت في أوائل الإسلام، قبل بيان مآل النبي والمؤمنين والكافرين، وإلا فما خرج صلى الله عليه وسلم من الدنيا، حتى أعلمه الله في القرآن، ما يحصل له وللمؤمنين والكافرين في الدنيا والآخرة، إجمالاً وتفصيلاً. قوله: ﴿ وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾ الحصر إضافي، أي منذر عن الله، لا مخترع من تلقاء نفسي، فلا ينافي أنه بشير أيضاً. قوله: (ماذا حالكم) أشار بذلك إلى أن مفعولي ﴿ أَرَأَيْتُمْ ﴾ محذوفان دلت عليهما الجملة. قوله: (جملة حالية) أي وكذا ما بعدها من الجمل الثلاث، ويصح جعل الجمل الأربعة معطوفات على فعل الشرط، فقول المفسر فيما يأني بما عطف عليه، يعني من الجمل الأربع فيه تلفيق، ويمكن أن يجاب بأن المراد العطف اللغوي. قوله: (هو عبد الله بن سلام) وقيل: الشاهد موسى، وشهادته ما في التوراة من نعته صلى الله عليه وسلم. قوله: (أي عليه) أشار بذلك إلى أن مثل صلة. قوله: (ألستم ظالمين) المناسب للمفسر تقدير الفاء، لأن الجملة التي فعلها جامدة، إذا وقعت جواباً للشرط، لزمت الفاء. قوله: ﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ الخ، هذا من جملة قبائح الكفار، وزعماً منهم أن عز الآخرة تابع لعز الدنيا، ولم يعلموا أن رحمة الله يخص بها من يشاء، ولا سيما من لم تكن الدنيا أكبر همه ومبلغ علمه، ورد أن القائل ذلك جملة من العرب وهم: بنو عامل وغطفان وأسد وأشجع، ولما أسلم جهينة ومزينة أو أسلم وغفار. قوله: (أي في حقهم) أشار بذلك إلى أن اللام بمعنى في، ويصح أن تبقى على بابها. قوله: ﴿ لَوْ كَانَ ﴾ (الإيمان) الخ، أشار بذلك إلى أن الضمير في ﴿ كَانَ ﴾ عائد على (الإيمان) ويصح عوده على القرآن أو على الرسول، وكلها معان متلازمة. قوله: ﴿ مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ ﴾ التفات من الخطاب إلى الغيبة، وكان مقتضى الظاهر ما سبقتمونا إليه، والضمير في ﴿ إِلَيْهِ ﴾ عائد على ما عاد عليه ضمير ﴿ كَانَ ﴾.
قوله: ﴿ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ ﴾ ظرف لمحذوف تقديره زادوا طغياناً، وليس قوله: ﴿ فَسَيَقُولُونَ ﴾ عاملاً فيه لأمرين: وجود الفاء. وكون الفعل مستقبلاً، لأن ما بعد الفاء، لا يعمل فيما قبلها وبين الماضي، والاستقبال تضاد، فإن الفعل مستقبل و ﴿ إِذْ ﴾ للماضي. قوله: ﴿ إِفْكٌ قَدِيمٌ ﴾ أي من قول الأقدمين: أتى به هو ونسبة إلى الله تعالى، فهو كقولهم﴿ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ ﴾[الأحقاف: ١٧].
قوله: ﴿ وَمِن قَبْلِهِ ﴾ خبر مقدم، و ﴿ كِتَابُ ﴾ مبتدأ مؤخر، والجملة حالية أو مستأنفة، وهو رد لقولهم ﴿ هَـٰذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ ﴾ والمعنى: لا يصح كونه إفكاً قديماً، مع كونكم سلمتم كتاب موسى ورجعتم إلى حكمه، فإن القرآن مصدق لكتاب موسى وغيره، وفيه قصص المتقدمين من الرسل وغيرهم المتأخرين. قوله: (حالان) أي من كتاب موسى. قوله: ﴿ مُّصَدِّقٌ ﴾ (للكتب قبله) أي كتاب موسى وغيره من باقي الكتب السماوية. قوله: (حال من الضمير في مصدق) ويصح أن يكون حالاً من ﴿ كِتَابٌ ﴾، و ﴿ عَرَبِيّاً ﴾ صفة لـ ﴿ لِّسَاناً ﴾.
قوله: ﴿ لِّيُنذِرَ ﴾ متعلق بـ ﴿ مُّصَدِّقٌ ﴾ قوله: ﴿ وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ ﴾ أشار المفسر بتقدير الضمير إلى أنه خبر لمبتدأ محذوف، والجملة حالية، ويصح أن يكون معطوفاً على ﴿ مُّصَدِّقٌ ﴾ فهو مرفوع بضمة مقدرة منه من ظهورها التعذر، أو منصوب عطف على محل قوله: ﴿ لِّيُنذِرَ ﴾ كأنه قال للإنذار والبشارة.