قوله: ﴿ وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ ﴾ أي اذكر يا محمد لقومك قصة صرفنا إليك نفراً من الجن، ليعتبروا بأن رسالتك عامة، للإنس والجن والملائكة وجميع الخلق، لكن إرساله للإنس والجن إرسال تكليف إجماعاً، وإرساله للملائكة قبل إرسال تكليف بما يليق بهم، وقيل إرسال تشريف، وارساله لما عداهم من الحيوانات الغير العاقلة والجمادات ارسال تشريف ورحمة. قوله: ﴿ نَفَراً ﴾ النفر بفتحتين، والنفر والنفير من ثلاثة رجال إلى عشرة. قوله: (نصيبين) أي وهي قرية باليمنز قوله: (أو جن نينوى) بنون مكسورة فياء ساكنة، فنون مضمومة أو مفتوحة، فواو فألف مقصورة، هي قرية يونس عليه السلام قرب الموصل. قوله: (وكان ببطن نخل) الصواب أن يقول: وكان ببطن نخلة لأنه هو الذي في طريق الطائف، وأما بطن نخل، فهو المكان الذي صلى فيه صلاة الخوف، وهو على مرحلتين من المدينة. قوله: (يصلي بأصحابه الفجر) فيه شيء، إذ لم يثبت أنه كان معه من الصحابة إلا زيد بن حارثة، وهذه الواقعة كانت قبل فرض الصلوات، فالصواب أن يقول: كان يصلي في جوف الليل، وعبارة المواهب: ثم خرج عليه السلام إلى الطائف، وأما بطن نخل، فهو المكان الذي صلى فيه صلاة الخوف، وهو على مرحلتين من المدينة. قوله: (يصلي بأصحابه الفجر) فيه شيء، إذ لم يثبت أنه كان معه من الصحابة إلا زيد بن حارثة، وهذه الواقعة كانت قبل فرض الصلوات، فالصواب أن يقول: كان يصلي في جوف الليل، وعبارة المواهب: ثم خرج عليه السلام إلى الطائف، بعد موت خديجة بثلاثة أشهر، في ليال بقين من شوال سنة عشر من النبوة، لما ناله من قريش بعد موت أبي طالب، وكان معه زيد بن حارثة، فأقام به شهراً يدعو أشراف ثقيف إلى الله تعالى، فلم يجيبوه وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه، ولما انصرف عليه السلام عن أهل الطائف راجعاً إلى مكة، نزل نخلة وهو موضع على ليلة من مكة، صرف إليه سبعة من جن نصيبين، وكان عليه السلام قد قام في جوف الليل يصلي الخ. واعلم أن العلماء ذكروا في سبب هذه الواقعة قولين: أحدهما: أن الجن كانت تسترق السمع، فلما رجموا ومنعوا من السماء حيث بعث النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: ما هذا إلا شيء حدث في الأرض، فذهبوا فيها يطلبون السبب، وكان قد اتفق أن النبي صلى الله عليه وسلم لما آيس من أهل مكة، خرج إلى الطائف يدعوهم إلى الإسلام، فلم يجيبوه، فانصرف راجعاً إلى مكة، فقام ببطن نخل يقرأ القرآن، فمر به نفر من جن نصيبين، كان إبليس قد بعثهم يطلبون السبب الذي أوجب حراسة السماء بالرجم بالشهب، فسمعوا القرآن فعرفوا أن ذلك هو السبب، وعليه فلم يكن اجتماعه بالجن مقصوداً للإرسال. ثانيهما: أن الله أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن ينذر الجن، ويدعوهم إلى الله، ويقرأ عليهم القرآن، فصرف الله إليه نفراً منهم يستمعون القرآن وينذرون قومهم، وذلك لأن الجن مكلفون، لهم الثواب، وعليهم العقاب، ويدخلون الجنة، ويأكلون فيها ويشربون كالإنس، فانتهض النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وقال: إني أمرت أن أقرأ على الجن الليلة القرآن، فأيكم يتبعني؟ فأطرقوا، فتبعه عبد الله بن مسعود، قال عبد الله بن مسعود: ولم يحضر معه أحد غيري، قال: فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة، دخل النبي شعباً يقال له شعب الحجون، وخط لي خطاً، وأمرني أن أجلس فيه وقال لي: لا تخرج حتى أعود إليك، فانطلق حتى وصل إليهم، فافتتح القرآن، فجعلت أرى أمثال النسور تهوي، وسمعت لغطاً شديداً حتى خفت على نبي الله، وغشيته أسودة كثيرة حالت بينني وبينه، حتى لم أسمه صوته، ثم طفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين، ففرغ النبي منهم مع الفجر، فانطلق إليّ فقال لي: قد نمت؟ فقلت: لا والله، ولكني هممت أن آتي إليك لخوفي عليك، فقال صلى الله عليه وسلم له: لو خرجت لم آمن عليك أن يتخطفك بعضهم، فأولئك جن نصيبين، فقلت: يا رسول الله سمعت لغطاً شديداً، فقال: إن الجن اختصموا في قتيل قتل بينهم، فتحاكموا إليّ، فقضيت بينهم بالحق، وكان عدة هؤلاء اثني عشر ألفاً، وروي عن أنس قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو بظاهر المدينة، إذ أقبل شيخ يتوكأ على عكازه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنها لنغمة جني، فقال الشيخ: أجل يا رسول الله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: من أي الجن أنت؟ قال: إني هام بن هيم بن لاقيس بن إبليس، فقال له النبي: كم أتى عليك من العمر؟ فقال: أكلت عمر الدنيا إلا القليل، كنت حين قتل هابيل غلاماً ابن أعوام، فكنت أشرف على الآكام، وأصطاد الهام، وأجعله بين الأنام، فقال النبي: بئس العمل، فقال: يا رسول الله، دعني من العتب، فإني ممن آمن مع نوح عليه السلام، وعاتبته في دعوته فبكى وأبكاني وقال: والله إني لمن النادمين، وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين، وأتيت هوداً فعاتبته في دعوته فبكى وأبكاني وقال: والله إني لمن النادمين، وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين، ولقيت إبراهيم وآمنت به، وكنت بينه وبين الأرض إذ رمي به في المنجنيق، وكنت معه في النار إذ ألقي فيها، وكنت مع يوسف إذ ألقي في الجب، فسبقته إلى قعره، ولقيت موسى بن عمران، وكنت مع عيسى ابن مريم عليهما السلام، فقال لي: إن لقيت محمداً فأقره السلام، قال أنس: فقال النبي: وعليه السلام، وعليك السلام يا هام، ما حاجتك؟ فقال: إن موسى علمني التوراة، وإن عيسى علمني الأنجيل، فعلمني القرآن قال أنس: فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم سورى الواقعة: وعم يتساءلون، وإذا الشمسي كورت، وقل يا أيها الكافرون، وسورة الإخلاص، والمعوذتين، ولا منافاة بين هذه القصص، فلعل الواقعة تعددت، فإحداها كان بها زيد بن حارثة، والأخرى كان فيها عبد الله بن مسعود، والأخرى كان فيها أنس بن مالك، كما أن قراءة القرآن عليهم تعددت. قوله: ﴿ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقُرْآنَ ﴾ جمعه مراعاة لمعنى النفر، ولو راعى لفظه لقال يستمع. قوله: ﴿ فَلَمَّا حَضَرُوهُ ﴾ أي القرآن والرسول. قوله: (اصغوا) بكسر الهمزة وفتح الغين؛ من باب رمى، أو بفتح الهمزة وضم الغين من الرباعي. قوله: ﴿ فَلَمَّا قُضِيَ ﴾ بالبناء للمفعول في قراءة العامة، وقرئ شذوذاً بالبناء للفاعل، فالأولى تؤيد عود الضمير على القرآن، والثانية تؤيد عوده على الرسول. قوله: ﴿ وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ ﴾ أي بأمر الرسول عليه السلام، لأنه جعلهم رسلاً إلى قومهم. قوله: (وكانوا يهوداً) أي وقج أسلموا في هذه الواقعة، وأسلم من قومهم حين رجعوا إليهم وأنذروهم وهم سبعون، وقال العلماء: إن الجن فيهم اليهود والنصارى والمجوس وعبدة الأصنام، وفي مسلميهم مبتدعة ومن يقول بالقدر وخلق القآن ونحو ذلك من المذاهب والبدع. وروي أنهم أصناف ثلاثة: صنف لهم أجنحة يطيرون بها، وصنف على صورة الحيات والكلاب، وصنف يحلون ويظعنون، واختلف في مؤمني الجن، فقيل: لا ثواب لهم إلا النجاة من النار؛ وعليه أبو حنيفة والليث؛ وبعد نجاتهم من النار يقال لهم: كونوا تراباً. وقال الأئمة الثلاثة: هم يدخلون الجنة، ويأكلون ويشربون ويتنعمون. وقيل: إنهم يكونون حول الجنة في ربض ورحاب وليسوا فهيا. قوله: (كالتوراة) أي والإنجيل والزبور وغيرهما. قوله: (أي طريقه) أي الإسلام وهو الانقياد وطريقه الأعمال الصالحة، كالصلاة والصوم.