قوله: ﴿ فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ ﴾ مرتب على ما قبله، كأنه قال: إذا علمت أنه لا ينفع التذكر إذا حضرت الساعة، فدم على ما أنت عليه من العلم بالوحدانية، فإنه النافع يوم القيامة، وعبر بالعلم إشارة إلى أن غيره لا يكفي في التوحيد، كالظن والشك والوهم؛ واعلم أن العلم مراتب: الأولى: العلم بالدليل ولو جملياً، ويسمى علم يقين، وهذا هو المطلوب في التوحيد الذي يخرج به المكلف من ورطة التقليد، وهو الجزم من غير دليل وفيه خلاف. الثانية: العلم مع مراقبة الله، ويسمى عين يقين. الثالثة: العلم مع المشاهدة، ويسمى حق يقين؛ وفي هذه المراتب فليتنافس المتنافسون. قوله: (أي دم يا محمد) الخ، أي فالخطاب له صلى الله عليه وسلم، بل ولكل مؤمن، وقوله: (على علمك بذلك) أي بأن لا إله إلا الله، أي لا معبود بحق إلا الله. قوله: (النافع في القيامة) أي لما ورد: " من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة " قوله: (لتستن به أمته) أي تقتدي به، وهذا أحد أوجه في تأويل الآية وهو أحسنها، وقيل معناه: اسأل الله العصمة من الذنوب، ومن المعلوم أن دعاءه مستجاب، ففي استغفاره تحدث بنعمة الله عليه، وهي عصمته من الذنوب، وتعليم الأمة أن يقتدوا به، وقيل: المراد بذنبه خلاف الأولى، مثل ما وقع منه في أسارى بدر، وفي إذنه للمنافقين بالتخلف عن الجهاد، فهو ذنب بحسب مقامه ورتبته، وقيل المراد بذنبه ذنب أهل بيته ففي هذه الآية بشرى للأمة حيث أمر صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لذنوبهم وهو الشفيع المجاب فيهم. قوله: (وقد فعله) أي الاستغفار لذنبه وللمؤمنين والمؤمنات، ورد في الحديث:" إنه ليغان على قلبي، حتى استغفر الله في اليوم مائة مرة "." إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم سبعين مرة "وفي رواية أكثر من ذلك، قوله في الحديث:" إنه ليغان على قلبي "الغين التغطية والستر، ويسمى به الغيم الرقيق الذي يغشى السماء، والمراد به أنوار تغشى قلبه صلى الله عليه وسلم، وسبب استغفاره منها، أنه صلى الله عليه وسلم دائما يترقى في الكمالات، فكلما ارتقى إلى مقام، رأى أن الذي فيه بالنسبة للذي ارتقى إليه ذنباً، فيستغفر الله منه. قوله: ﴿ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ﴾ أشار المفسر إلى أن معنى ﴿ مُتَقَلَّبَكُمْ ﴾ متصرفكم لاشتغالكم بالنهار، ومعنى ﴿ مَثْوَاكُمْ ﴾ مأواكم إلى مضاجعكم بالليل، وهو أحد تفاسير في هذه الآية، وقيل: ﴿ مُتَقَلَّبَكُمْ ﴾ من أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات وبكونهنن و ﴿ مَثْوَاكُمْ ﴾ في الدنيا وفي القبور، وقيل: ﴿ مُتَقَلَّبَكُمْ ﴾ في الدنيا.
﴿ وَمَثْوَاكُمْ ﴾ مصيركم في الآخرة إلى الجنة والنار. قوله: (والخطاب للمؤمنين وغيرهم) أي ولكن خطاب المؤمنين، ارشاد لهم إلى مقام المراقبة لله تعالى، وهي أن يشاهد الإنسان، أن الله مطلع عليه في كل لمحة وطرفة وحركة وسكون، وهذا سر، وهو معكم أينما كنتم، وهو مطلب العارفين، وكنز الراسخين، قال العارف ابن الفارض: أنلنا مع الأحباب رؤيتك التي إليها قلوب الأولياء تسارعوقال العارف الدسوقي: قد كان في القلب أهواء مفرقة فاستجمعت مذ رأتك العين أهوائيتركت للناس دنياهم ودينهم شغلاً بحبك يا ديني ودنيائيوفيه فليتنافس المتنافسون، وخطاب غيرهم تخويف وتحذير. قوله: ﴿ وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ الخ، أي حين اشتد كرب المسلمين من أذى المشركين، تمنوا الأمر بالجهاد، ووافقهم في الظاهر على هذا التمني المنافقون، فهذه الآيات من هنا إلى آخر السورة مدنيات قطعاً، ولو على القول بأن السورة مكية، لأن القتال لم يشرع إلا بها، وكذا النفاق لم يظهر إلا بها. قوله: (أي طلبه) أي ذكر فيها الأمر به والحث عليه. قوله: (أي شك) وقيل ضعف في الدين. قوله: ﴿ نَظَرَ ٱلْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ ﴾ أي نظراً مثل نظر المغشي عليه، والمعنى: تشخص أبصارهم كالشخص الذي حضره الموت. قوله: (خوفاً منه) أي الموت. قوله: ﴿ فَأَوْلَىٰ لَهُمْ ﴾ أي الحق والواجب لهم، أي عليهم الطاعة الخ، هذا ما مشى عليه المفسر، وهو أوضح ما قيل في هذا المقام. قوله: (أي حسن) تفسير لمعروف، وقوله: (لك) متعلق لكل من ﴿ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ ﴾ والمعنى: الواجب عليهم أن يطيعوك ويخاطبوك بالقول الحسن. قوله: (وجملة لو) أي مع جوابها. قوله: (بكسر السين وفتحها) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (وفيه التفات) أي لتأكيد التوبيخ. قوله: (أي لعلكم) الخ، تفسير لعسى، ولم يذكر تفسير الاستفهام وهو التقرير، والمعنى: قروا بأنه يتوقع منكم إن توليتم الخ، والتوقع في الآية جار على لسان من يشاهد حصرهم على الدنيا وتفريطهم في الدين، لا الله لأنه هو الخالق لهم، العالم بأحوالهم. قوله: (أعضرتم عن الإيمان) تفسير للتولي، وقيل: معناه تأمرتم وتوليتم أمر الأمة.