قوله: ﴿ مَثَلُهُمْ ﴾ لما بين قبائحهم وعقابة أمرهم شرع يضرب أمثالهم ويبين فيه وصفهم وما هم عليه. قوله: (صفتهم) أشار بذلك إلى أن المثل بالتحريك هنا معناه الصفة، وليس المراد به المثل السائر وهو كلام شبه مضربه بمورده لغرابته كقولهم الصيف ضيعت اللبن. وقوله تعالى:﴿ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً ﴾[النحل: ٧٥] الآية، وإنما فسره بالصفة ولم يفسره بالمثل بمعنى الشبه، لئلا يلزم عليه زيادة الكاف، والأصل عدم الزيادة، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مثل التقدير صفتهم كائنة مثل صفة (الذي استوقد ناراً)، ويصح في هذه الكاف أن تكون اسماً وهي نفسها هي الخبر، وإنما جربها لأنها على صورة الحرف وأن تكون حرفاً متعلقة بمحذوف وعلى كل معناها مثل. قوله: ﴿ ٱسْتَوْقَدَ ﴾ راعى في الإفراد لفظ الذي. وفي قوله: ﴿ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ ﴾ معناه. قوله: (أوقد) أشار بذلك إلى أن السين والتاء زائدتان لا للطلب، لأنه لا يلزم من الطلب الإيقاد بالفعل. قوله: (في ظلمة) أي شديدة وهي ظلمة الليل والسحاب والريح مع المطر. قوله: ﴿ فَلَمَّآ أَضَآءَتْ ﴾ الإضاءة النور القوي. قال تعالى:﴿ هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً ﴾[يونس: ٥] فقوله: (أنارت) أي نوراً قوياً والفاء للترتيب والتعقيب لأن الإضاءة تعقب الإيقاد. قوله: ﴿ مَا حَوْلَهُ ﴾ يحتمل أن ما نكرة موصوفة وحوله صفة والضمير عائد على الموقد للنار، وفاعل أضاءت ضمير يعود على النار، ويحتمل أن ما اسم موصول وحوله صلة وهو صفة لموصوف محذوف تقديره المكان الذي حوله. قوله (واستدفأ) أي امتنع عنه ألم البرد. قوله: (وأمن مما يخافه) أي من عدو وسباع وحيات وغير ذلك مما يضر، وحينئذ فقد تم له النفع بالنار. قوله: ﴿ بِنُورِهِمْ ﴾ الضمير عائد على ما تقدم ضمناً في قوله: ﴿ فَلَمَّآ أَضَآءَتْ ﴾ إذ المعنى أنارت على حد (اعدلوا هو أقرب للتقوى) ولم يقل بضوئهم إشارة إلى انعدام النور بالكلية، بخلاف ما لو عبر بالضوء لأنه لا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم، والباء للتعدية كالهمزة فلذلك دخلت على المفعول، ولا تستلزم الباء المصاحبة كالهمزة فذهبت بزيد مثل أذهبت زيداً خلافاً للمبرد حيث جعلها تفيد المصاحبة، ورد بهذه الآية لإستحالة المصاحبة فيها. قوله: ﴿ وَتَرَكَهُمْ ﴾ عطف على ذهب. قوله: ﴿ فِي ظُلُمَٰتٍ ﴾ أي ثلاث: ظلمة الليل والسحاب والريح مع المطر. قوله: (ما حولهم) هذا هو مفعول يبصرون. وقوله: (متحيرين) حال من الضمير في تركهم. قوله: (فكذلك) أشار بذلك إلى حال المشبه وهم المنافقون. وقوله: (أمنوا) بالقصر ضد الخوف، أي حيث أسلموا بألسنتهم، ولم تؤمن قلوبهم، فقد أمنوا من القتل والسبي وانتفعوا بأخذ الغنائم والزكاة، فإذا ماتوا فقد ذهب الله بنورهم فلم يأمنوا من النار ولم ينتفعوا بالجنة، وتركهم في ظلمات ثلاث: ظلمة الكفر، والنفاق والقبر، والجامع بينهما أن الإنتفاع ودفع المضار في كل شيء قليل ثم يذهب. قوله: ﴿ صُمٌّ ﴾ خبر لمحذوف قدره المفسر بقوله هم. قوله: ﴿ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ أي لفقد هذه الإدراكات الثلاثة من قلوبهم.


الصفحة التالية
Icon