قوله: ﴿ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً ﴾ هذه الجملة خبر ﴿ إِنَّ ﴾ والكلام إما على ظاهره والمعنى: إن كفرهم لا يضر إلا أنفسهم، وتعالى الله عن أن يصل له من خلقه ضر أو نفع، لما في الحديث القدسي:" يا عبادي إنكم لن تقدروا على ضري فتضروني "إلى آخره، أو على حذف مضاف، أي لن يضروا رسول الله لعصمتهم منهم. قوله: (المطعمين من أصحاب بدر) أي في المطعمين الطعام للكفار يوم بدر، وذلك أن أغنياء الكفار يعينون فقراءهم على حرب رسول الله وأصحابه، كأبي جهل وأضرابه، وهذه الآية بمعنى قوله تعالى:﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ﴾[الأنفال: ٣٦] الآية، وسبب ذلك: أن قريشاً خرجت لغزوة بدر بأجمعها، وكان العام عام قحط وجدب، وكان أغنياؤهم يطعمون الجيش، فأول من نحر لهم حين خروجهم من مكة أبو جهل، نحر لهم عشر جزر، ثم صفوان تسعاً بعسفان، ثم سهل عشراً بقديد، ومالوا منه إلى نحو البحر فضلوا، فأقاموا يوماً، فنحر لهم شيبة تسعاً، ثم أصبحوا بالأبواء، فنحر مقيس الجمحي تسعاً، ونحر العباس عشراً، ونحر الحرث تسعاً، ونحر أبو البحتري على ماء بدر عشراً، ونحو مقيس عليه تسعاً، ثم شغلهم الحرب فأكلوا من أزوادهم. قوله: (أو في قريظة والنضير) أي فكانوا ينفقون على قريش، ليستعينوا بهم على عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فآل أمرهم إلى أن أخرج بني النضير من ديارهم، وغزا قريظة، فقتل كبارهم وأسر نساءهم وذراريهم، ولم تنفعهم قريش بشيء. قوله: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ ﴾ الخ؛ لما ذكر أحوال الكفار ومخالفتهم لرسول الله، أمر المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله؛ وبالجملة فهذه السورة اشتملت على ذكر أوصاف المؤمنين والكافرين على أحسن ترتيب. قوله: (بالمعاصي مثلاً) أي كالردة فإنها تبطل جميع الأعمال الصالحة من أصلها، والعجب والرياء، فإنهما يبطلان ثواب الأعمال، والمن والأذى فإنهما يبطلان ثواب الصدقات، والمن مذموم إلا من الله على عباده، والرسول على أمته، والشيخ على تلميذه، والوالد على ولده، فليس بمذموم إلا من الله على عباده، والرسول على أمته، والشيخ على تلميذه، والوالد على ولده، فليس بمذموم، وأما باقي المعاصي فلا تبطل ثواب الأعمال الصالحة، خلافاً للمعتزلة القائلين بأن الكبائر تحبط الأعمال كالردة، ورد كلامهم بقوله تعالى:﴿ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ ﴾[النساء: ٤٨] وأخذ بعض الأئمة من هذه الآية، أنه يحرم على الشخص قطع الأعمال الصالحة ولو نفلاً، كالصلاة والصوم. والحاصل: أن الأصل في النوافل، أنها لا تلزم بالشروع عند جميع الأئمة، واستثنى مالك وأبو حنيفة سبعاً منها تلزم بالشروع نظمها ابن عرفة من المالكية بقوله: صلاة وصوم ثم حج وعمرة   طواف عكوف والتمام تحتماوفي غيرها كالوقف والطهر خيرن   فمن شاء فليقطع ومن شاء تمماولابن كمال باشا من الحنفية: من النوافل سبع تلزم الشارع   أخذا لذلك مما قاله الشارعصوم صلاة عكوف حجة الرابع   طوافه عمرة إحرامه السابع


الصفحة التالية
Icon