قوله: ﴿ فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ ﴾ أي اترك دعوته والاهتمام بشأنه، فإنه لا تفيد دعوته إلا عناداً وإصراراً على الباطل. قوله: (وهذا قبل الأمر بالجهاد) أي فهو منسوخ بآية القتال، وقد تبع المفسر في ذلك أكثر المفسرين، وقال الرازي: إنها ليست منسوخة بآية القتال، بل هي موافقة لها، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم في الأول، كان مأموراً بالدعاء بالحكمة والموعظة الحسنة، فلما عارضوا أمر بإزالة شبههم، والجواب عنها فقيل له:﴿ وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾[النحل: ١٢٥] ثم لما لم ينفع ذلك فيهم قيل له: أعرض عنهم ولا تقابلهم بالدليل والبرهان، فإنهم لا ينتفعون به وقاتلهم، فثمرة الإعراض القتال، وقد يقال: إن الخلاف لفظي، فمن أراد بالإعراض الكف عن مجادلتهم ومعاملتهم بالتي هي أحسن قال بالنسخ، ومن أراد بالإعراض عنهم، ترك جدالهم ومعاملتهم بالسيف قال بعدمه، قوله: ﴿ مَبْلَغُهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ ﴾ تسميته علماً تهكم بهم. قوله: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ ﴾ الخ، تعليل للأمر بالإعراض، والمعنى: أن الله عالم بالضال فيجازيه على ضلاله، وبالمهتدي فيجازيه على هداه، ومن هنا خاف العارفون من سوء الخاتمة، لعدم اعتمادهم على أعمالهم. قوله: (ومنه الضال والمهتدي) دفع بذلك ما يقال: كيف يجعل الجزاء علة لملك ما في السماوات والأرض، مع أنه ثابت لله تعالى بالذات، فأجاب: بأنه علة لمحذوف، دل عليه قوله ملك السماوات والأرض. قوله: ﴿ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ ﴾ الخ، أشار بذلك إلى أن اللام متعلقة بمحذوف قدره بقوله: (يضل من يشاء) الخ، ويصح أن تكون اللام للعاقبة والصيرورة، والمعنى: أن عاقبة أمر الخلق، أن يكون فيهم المحسن والمسيء، فيجازي المحسن بالإحسان، والمسيء بالإساءة. قوله: (وبين المحسنين) الخ، أي فالذين يجتنبون بدل أو عطف بيان أو نعت للذين أحسنوا، أو مفعول لمحذوف تقديره أعني، أو خبر لمحذوف تقديره هم الذين الخ.