قوله: ﴿ ٱلرَّحْمَـٰنُ ﴾ إما خبر مبتدأ محذوف أي الله الرحمن، أو مبتدإ خبره محذوف، أي الرحمن ربنا، وهذا الوجهان على القول بأن ﴿ ٱلرَّحْمَـٰنُ ﴾ آية مستقلة، وأما على أنه ليس آية مستقلة، فالرحمن مبتدأ، وخبره ﴿ عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ ﴾ وسبب نزولها: أنه لما نزل﴿ ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ ﴾[الفرقان: ٦٠] قال كفار مكة: وما الرحمن؟ فأنكروه وقالو: لا نعرف إلى الرحمن إلا رحمن اليمامة، فنزلت رداً عليهم، وفيها رد عليهم أيضاً حيث قالوا:﴿ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ﴾[النحل: ١٠٣] فأفاد أن الذي يع لمه هو الرحمن لا غيره، وافتتح هذه السورة بلفظ ﴿ ٱلرَّحْمَـٰنُ ﴾ إشارة إلى أنها مشتملة على نعم عظيمة، وذلك لأن الرحمن هو المنعم بجلائل النعم كماً وكيفاً، ولذا ذكر قوله:﴿ فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾[الرحمن: ١٣] إحدى وثلاثين مرة فيها. قوله: ﴿ عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ ﴾ إما من التعليم وهو التفهيم أي عرفه، فالقرآن مفعول ثان، والأول محذوف قدره المفسر بقوله: (من شاء) أي من عباده إنساً وجناً وملكاً، وقدره بعضهم محمداً أو جبريل، رداً على المشركين في قولهم﴿ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ﴾[النحل: ١٠٣] والأول أولى لعمومه أو من العلامة، والمعنى: جعله علامة وآية يعجز بها المعارضين، وقدم تعليم القرآن على خلق الإنسان، مع أنه متأخر عنه في الوجود، لأن التعليم هو السبب في إيجاده وخلقه. قوله: ﴿ خَلَقَ ٱلإِنسَانَ ﴾ هذه الجملة والتي بعدها خبران عن الرحمن أو حالان، وترك العاطف منهما لشدة الاتصال. قوله: (أي الجنس) أي الصادق بآدم وأولاده، وحينئذ فالمراد بالبيان النطق الذي يتميز به عن سائر الحيوان، وهذا أحد أقوال في تفسير الإنسان، وقيل: هو محمد صلى الله عليه وسلم لأنه الإنسان الكامل، والمراد بالبيان علم ما كان وما يكون وما هو كائن، وقيل: هو آدم عيه السلام، والمراد بالبيان أسماء لكل شيء، ما وجد وما لم يوجد بجميع اللغات، فكان يتكلم بسبعمائة ألف لغة أفضلها العربية. قوله: ﴿ بِحُسْبَانٍ ﴾ متعلق بمحذوف خبر المتبدإ الذي هو ﴿ ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ ﴾ تقديره (يجريان). قوله: (بحساب) أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ بِحُسْبَانٍ ﴾ مصدر مفرد بمعنى الحساب، كالغفران والكفران، ويصح أن يكون جمع حساب، كشهاب وشهبان، ورغيف ورغفان، والمعنى: أن الشمس والقمر يجريان في بروجهما ومنازلهما بمقدار واحد، لا يتعديانه لمنافع العباد، على حسب الفصول والشهور القمرية والقبطية، من مبدإ الدنيا لمنتهاها.