قوله: (أي الحور العين من غير ولادة) أشار بذلك إلى أن الضمير في ﴿ أَنشَأْنَاهُنَّ ﴾ عائد على الحور العين المفهومان مما سبق، وهذا أحد قولين، وقيل هو عائد على نساء الدنيا، ومعنى ﴿ أَنشَأْنَاهُنَّ ﴾ أعدنا إنشاءهن، ويؤيده ما ورد" أن أم سلمة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: ﴿ إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً ﴾ فقال: يا أم سلمة هن اللواتي قبضن في دار الدنيا عجائز شمطاً رمصاً، جعلهن الله بعد الكبر أتراباً على ميلاد واحد في الاستواء، كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن أبكاراً، فلما سمعت عائشة رسول الله يقول ذلك قالت: واوجعاه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس هناك وجع "ويصح عود الضمير على ما هو أعم من الحور العين ونساء الدنيا، وهو الأنسب بالأدلة. قوله: (بضم الراء وسكونها) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (أي مستويات في السن) أي وهو ثلاث وثلاثون سنة لما في الحديث:" يدخل أهل الجنة الجنة جرداً مرداً بيضاً مكحولين أبناء ثلاثين أو قال ثلاث وثلاثين، على خالق آدم عليه السلام، ستون ذراعاً في سبعة أذرع ". وروي أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم قال:" من دخل الجنة من صغير أو كبير يرد إلى ثلاثين سنة في الجنة، لا يزاد عليها أبداً، وكذلك أهل النار ". قوله: (صلة أنشأناهن) أي متعلقة به، والمعنى أنشأناهن لأجل أصحاب اليمين، ويصح تعلقها بأتراباً، والمعنى جعلناهن أتراباً، أي مساويات لأصحاب اليمين في الطول والعرض والجمال، فلا تتخير امرأة عن رجل في الجنة. قوله: ﴿ ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ ﴾ خبر لمحذوف قدره بقوله: (وهم) واختلف في المراد بالأولين والآخرين، فقيل: أوائل هذه الأمة كالصحابة والتابعين وتابعي التابعين، وأواخرهم من يأتي بعدهم إلى يوم القيامة، وقيل: المراد بالأولين الأمم السابقة، وبالآخرين هذه الأمة، فالخلاف هنا نظير ما تقدم، وقال فيما سبق﴿ وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ ﴾[الواقعة: ١٤] وقال هنا ﴿ وَثُلَّةٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ ﴾ لأن ما تقدم في ذكر السابقين، وهم في الآخرة قليل، وهنا في أصحاب اليمين، وهم كثيرون في الأولين والآخرين.


الصفحة التالية
Icon