قوله: ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ لما بين سبحانه وتعالى حال من جعل الكفار أولياء في أول السورة، ذكر مناقضة ابراهيم وقومه، وأن طريقة التبرؤ من أهل الكفر، وألزم أمة محمد بالاقتداء به في ذلك، وفيه توبيخ لحاطب ومن والى الكفار. قوله: (بكسر الهمزة وضمها) أي فهما قراءتان سبعيتان، وقوله: (في الموضعين) أي وهذا قوله الآتي ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ ومعناها عليهما الاتباع والاقتداء ما قال المفسر. قوله: ﴿ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ ﴾ جار ومجرور متعلق بأسوة، ورد بأنه لا يجوز عمل المصدر الموصوف، وأجيب بأنه يتوسع في الظروف ما لا يتوسع في غيرها، ويصح أنه متعلق بحسنة، تعلق الظرف بالعامل، ويصح أنه نعت ثان لأسوة، وإنما خص التأسي بإبراهيم، لأنه صبر على أذى عدو الله النمروذ، ولم يكن معه أحد يعينه عليه، مع تفرده بملك الأرض مشرقاً ومغرباً. قوله: (قولاً وفعلاً) تمييز مبين لجهة الاقتداء، أي اقتدوا به في القول والفعل، فإنه لم يبال بالكفار، ولا بشدتهم وضعفه، قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ ﴾ (من المؤمنين) يحتمل أن المراد بالمعية وهو في أرض بابل، وحينئذ لم يكن معه إلا لوط ولد أخيه، وسارة زوجته، أو المراد بعد مجيئه إلى الشام، وحينما كثر المؤمنون به. قوله: ﴿ إِذْ قَالُواْ ﴾ هذا بدل اشتمال من ﴿ إِبْرَاهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ ﴾ والمراد بقومهم النمروذ وجماعته، أي فبارزوهم بالعداوة ولم يبالوا بهم، مع شدة بأسهم وضعف المؤمنين. قوله: ﴿ إِنَّا بُرَءآؤُاْ مِّنْكُمْ ﴾ أي من دينكم وآلهتكم. قوله: ﴿ وَبَدَا ﴾ أي ظهر بيننا وبينكم العداوة على ممر الأزمان، بدليل ذكر الأبد، والعداوة المباينة ظاهراً، والبغضاء المباينة بالقلوب، وفي الحقيقة هما متلازمان. قوله: (بتحقيق الهمزتين) الخ، أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (مستثنى من أسوة حسنة) أي وساغ ذلك، لأن القول من جملة الأسوة، فكأنه قيل لكم فيه أسوة في أفعاله وأقواله، إلا قوله كذا. قوله: (أي فليس لكم التأسي به) أي لأن استغفاره له لرجائه إسلامه، فلما ظهر أنه عدو الله تبرأ منه. قوله: ﴿ وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ ﴾ هذه الآية باعتبار معناها الوضعي، تكون من جملة ما يقتدى به فيه، لأن محصلة أنه لا يملك له ثواباً ولا عقاباً، على حد ليس لك من الأمر شيء، وهذا ثابت لإبراهيم وغيره، وليس مراداً هنا، بل المراد معناها الكنائي، وهو أنه لا يملك له غير الاستغفار، فهو غير مقتدى به فيه، وحينئذ فقوله: ﴿ وَمَآ أَمْلِكُ ﴾ معطوف على ﴿ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ ﴾ وأشار المفسر لذلك بقوله: (كنى به) الخ. قوله: (فهو مبني عليه) أي معطوف على ﴿ لأَسْتَغْفِرَنَّ ﴾ ومرتبط به ساقه اعتذاراً. قوله: (مستثنى من حيث المراد منه) أي وهو المعنى الكنائي. قوله: (وإ، كان من حيث) الخ، مبالغة على أنه ليس مراداً، وإن كان معناه الوضعي. قوله: (فمن يملك) هذا دليل للمعنى الوضعي الغير المراد. قوله: (واستغفاره) هذا بيان لعذر ابراهيم في استغفاره لأبيه، وذلك أنه لم يستغفر له إلا لرجاء إيمانه، ولما مات على الكفر رجع عن ذلك، كما قال تعالى:﴿ وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ ﴾[التوبة: ١١٤] الخ. والحاصل أن ابراهيم وعد أباه بالاستغفار في سورة مريم بقوله:﴿ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيۤ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً ﴾[مريم: ٤٧] واستغفر له بالقول في سورة الشعراء في قوله تعالى:﴿ وَٱغْفِرْ لأَبِيۤ ﴾[الشعراء: ٨٦] ثم رجع عن ذلك كما بينه الله في سورة براءة. قوله: (من قول الخليل) الخ، أي الذي يقتدى به فيه، فهو في المعنى مقدم على جملة الاستثناء. قوله: (أي قالوا) أي فهو مقول القول السابق في ﴿ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءآؤُاْ مِّنْكُمْ ﴾ أي قالوا ذلك وقالوا ﴿ رَّبَّنَا ﴾ الخ، ويصح أن يكون أمراً من الله للمؤمنين، تتميماً لما أمرهم به من ترك موالاة الكفار، أي أظهروا لهم العداوة، ولا يهولكم أمرهم، وقالوا: ﴿ رَّبَّنَا ﴾ الخ، ومعنى ﴿ تَوَكَّلْنَا ﴾ فوضنا أمرنا، وقوله: ﴿ وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا ﴾ أي رجعنا بالتوبة عن كل ما تكره منا، وقوله: ﴿ وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ ﴾ المرجع في الآخرة. قوله: (أي لا تظهرهم) أي تجعلهم غالبين علينا، وقوله: (فيظنوا أنهم على الحق) يعني إن ظفروا بنا، قوله: (فيفتنوا) أي يزدادوا كفراً ويدوموا عليه، لأن الاستدراج يوجب زيادة الكفر. قوله: ﴿ وَٱغْفِرْ لَنَا ﴾ أي ما مضى من الذنوب. قوله: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ ﴾ هذه الجملة تأكيد لقوله سابقاً ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ ﴾ الخ، أتى بها للمبالغة في التحريض على الاتباع لإبراهيم وأمته. قوله: (أو يظن الثواب والعقاب) تفسير ثان لمعنى الرجاء والمراد بظن الثواب الخ الإيقان بذلك. قوله: ﴿ وَمَن يَتَوَلَّ ﴾ أي يعرض عن الاقتداء بإبراهيم، وجواب الشرط محذوف تقديره فوباله على نفسه، وقوله: ﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ ﴾ الخ، تعليل للجواب.