قوله: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ ﴾ الخ، أي بعضهم، والمراد بالأزواج ما يشمل الذكور، فكما أن الرجل تكون زوجته عدواً له، كذلك المرأة يكون زوجها عدواً لها. قوله: ﴿ عَدُوّاً لَّكُمْ ﴾ أي يشغلكم عن طاعة الله. قوله: (أن تطيعوهم) أشار بذلك إلى تقدير مضاف، أي فاحذروا طاعتهم قوله: (فإن سبب نزول الآية) الخ، علة لقوله: (كالجهاد والهجرة) أي فسبب نزول الآية، أن رجالاً أسلموا من أهل مكة، وأرادوا أن يهاجروا إلى النبي، فمنعهم أزواجهم وأولادهم وقالوا: صبرنا على إسلامكم، فلا صبر لنا على فراقكم، فأطاعوهم وتركوا الهجرة، وقيل نزلت في عوف بن مالك الأشجعي، كان ذا أهل وولد، فأراد أن يغزو، فبكوا اليه ووقفوه وقالوا له: إلى من تدعنا؟ فرق عليهم وأقام عن الغزو، وهذامعنى قول المفسر، كالجهاد والهجرة، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فيدخل في ذلك جميع أنواع الطاعات، فلا يطبع الأزواج ولا الأولاد في التكاسل عن أي طاعة كانت، بل حقوق الله مقدمة على كل حق. قوله: ﴿ وَإِن تَعْفُواْ ﴾ الخ، أي تتركوا عقابهم بترك الإنفاق عليهم، وذلك أنه من تخلف عن الهجرة والجهاد، بسبب منع أهله وأولاده قد تنبه بعد ذلك، فرأى غيره من الصحابة قد سبقه للخير، فندم وعزم على عقاب أهله وأولاده بترك الإنفاق عليهم، فأنزل ﴿ وَإِن تَعْفُواْ ﴾ الخ. قوله: (في تثبيطهم) أي شغلهم إياكم وتكسيلهم لكم. قوله: ﴿ إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾ أي ابتلاء واختبار من الله لكم، وهو أعلم بما في نفوسكم منكم، لكن ليظهر في عالم الشهادة من يشغله ذلك عن الحق، فيكون عليه نقمة ممن لا يشغله، فيكون عليه نعمة، وقدم المال لأن فتنته أشد، ويكفي في فتنته قصة ثعلبة بن حاطب النازل فيه قوله تعالى:﴿ وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ ﴾[التوبة: ٧٥] الآية، قال الحسن: أدخل ﴿ مِنْ ﴾ التي للتبعيض في قوله: ﴿ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ ﴾ الخ، لأنهم كلهم ليسوا بأعداء بل البعض منهم، ولم يدخلها في قوله: ﴿ إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ ﴾ الخ لأنهما لا يخلون من الفتنة واشتغال القلب بهما، فمن رجع إلى الله تعالى، ولم يلتفت إلى ما له وولده وجاهد نفسه فقد فاز، ومن تتبع الشغل بالمال والولد وافتتن بهما فقد هلك. قوله: ﴿ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ وهو الجنة. قوله: (ناسخة لقوله اتقوا الله حق تقاته) أي ومعناها: أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر، ولذلك لما نزلت الآية قالت الصحابة: ومن يعرف قدر الله فيتقيه حق تقاته، وضايق بعضهم نفسه في العبادة، حتى تورمت قدماه من طول القيام، فخفف الله عنهم فنزلت ﴿ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ ﴾ وما قاله المفسر أحد قولين، وقيل إنها ليست ناسخة بل مبنية لها، فآية﴿ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾[آل عمران: ١٠٢] مجملة، وآية ﴿ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ ﴾ مفصلة لها، غير أن الاستطاعة مختلفة باختلاف الأشخاص، فكل يبذل وسعه وطاقته في طاعة ربه، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، فليست الاستطاعة في الناس سواء، وبالجملة فالتكليف بهذه الآية لا بآية﴿ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾[آل عمران: ١٠٢] سواء قلنا إنها منسوخة أو محكمة. قوله: (خبر يكن) أو مفعول لفعل محذوف تقديره يؤتكم خيراً وهو الأولى، لأن حذف كان واسمها مع بقاء الخبر، إنما يكثر بعد أن ولو. قوله: (جواب الأمر) أي وهو قوله: ﴿ وَأَنْفِقُواْ ﴾.
قوله: ﴿ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ ﴾ الشح كراهة فعل الخير والمعروف، وينشأ عن البخل وهو الإمساك.