قوله: ﴿ أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى ٱلإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ﴾ استئناف مقرر لما مضى من حديث الغاشية، والهمزة داخلة على محذوف، والفاء عاطفة عليه، والتقدير: أعموا فلا ينظرون، وهو استفهام إنكاري توبيخي، وخصت الإبل لكثرة منافعها، كأكل لحمها وشرب لبنها والحمل عليها وركوبها والتنقل عليها إلى البلاد البعيدة، وعيشها بأي نبات أكلته، كالشجر والشوك، وصبرها على العطش عشرة أيام فأكثر، وطواعيتها لكل من قادها ولو صغيراً، ونهوضها وهي باركة بالأحمال الثقيلة، ولا تؤذي من وطئته برجلها، وتتأثر بالصوت الحسن مع غلظ أكبادها، ولا شيء من الحيوانات جمع هذه الأشياء غيرها، ولكونها أفضل ما عند العرب، جعلوها دية القتل، والإبل اسم جمع لا واحد له من لفظه، وإنما له واحد من معناه، كبعير وناقة وجمل. قوله: ﴿ كَيْفَ خُلِقَتْ ﴾ ﴿ كَيْفَ ﴾ منصوب بـ ﴿ خُلِقَتْ ﴾ على الحال، والجملة بدل اشتمال من الإبل، فهي في محل جر. قوله: ﴿ كَيْفَ رُفِعَتْ ﴾ أي فوق الأرض من غير عمد. قوله: ﴿ كَيْفَ نُصِبَتْ ﴾ أي على وجه الأرض، نصباً راسخاً لا يتزلزل. قوله: (فيستدلون بها) إلخ، الحكمة في تخصيص هذه الأشياء بالذكر، أن القرآن نزل على العرب، وكانوا يسافرون كثيراً في الأودية والبراري منفردين عن الناس، والإنسان إذا انفرد أقبل على التفكر، فأول ما يقع بصره على البعير الذي هو راكبه، فيرى منظراً عجيباً، وإن نظر إلى فوق لم ير غير السماء، وإن نظر يميناً وشمالاً لم ير غير الجبال، وإن نظر إلى تحت لم ير غير الأرض، فكأنه تعالى أمره بالنظر وقت الخلوة والانفراد، ولا يحمله الكبر على ترك النظر. قوله: (وصدرت) أي هذه الأربعة. قوله: (وإن لم ينقض) أي ما قاله أهل الهيئة من قواعدهم التي ذكروها، وقوله: (ركناً) أي قاعدة من قواعد الشرع، فلا يضر في العقيدة، لأن علماء الهيئة قالوا: إن الأرض كرة بطبعها وحقيقتها، كالبيضة في السماوات السبع، محيطة بالأرض من كل جانب، والعرش محيط بالجميع، ولكن الله تعالى أخرج الأرض عن طبعها بفضله وكرمه، بتسطيح بعضها لإقامة الحيوانات عليها رحمة بهم.