قوله: ﴿ فَأَمَّا ٱلإِنسَانُ ﴾ أما هنا لمجرد التأكيد، لا للتأكيد مع التفصيل، لعدم تقدم مقتضيه، وهو مرتبط بقوله:﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ ﴾[الفجر: ١٤] فكأنه قيل: إن الله لا يرضى من عباده إلا الطاعة والإخلاص، لما في الحديث:" إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم "فأما الإنسان فلا يلتفت لذلك، لكونه مطبوعاً علىخلافه، وإنما يلتفت للعاجل، وما قررناه سالم من الدسيسة الاعتزالية الواقعة في كلام الزمخشري حيث نفى عن الله إرادة المعاصي والقبائح ونص عبارته، فإن قلت: بم اتصل قوله: ﴿ فَأَمَّا ٱلإِنسَانُ ﴾؟ قلت: بقوله:﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ ﴾[الفجر: ١٤] فكأنه قيل: إن الله لا يريد من الإنسان إلا الطاعة، فأما الإنسان فلا يريد ذلك، ولا يهمه إلا العاجلة اهـ. فتدبر. قوله: ﴿ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ رَبُّهُ ﴾ الخ، إنما سمى كلاً من بسط الرزق، وتقديره ابتلاء، لأنه يختبر حال العبد في الحالين، فإذا بسط له الرزق فقد اختبر حاله، أيشكر أم يكفر؟ وإذا قدر عليه، فقد اختبر حاله أيصبر أم يجزع؟ فالحكمة فيهما واحدة. قوله: (اختبره) أي عامله معاملة المختبر. قوله: (بالمال وغيره) أي كالجاه والولد. قوله: ﴿ وَنَعَّمَهُ ﴾ أي جعله متلذذاً بتلك النعم. قوله: ﴿ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَكْرَمَنِ ﴾ أي فضلني وأحسن إلي. قوله: ﴿ وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ ﴾ ﴿ مَا ﴾ زائدة لوقوعها بعد ﴿ إِذَا ﴾ وكذا يقال في الأولى. قوله: ﴿ فَقَدَرَ ﴾ بالتخفيف والتشديد قراءتان سبعيتان، إن قلت: مقتضى المقابلة أن يقول: فأهانه وقدر عليه زرقه، كما قال: فأكرمه ونعمه. أجيب: بأن البسط إكرام من الله لعبده، وليس ضده إهانة، بل ترك للكرامة، فإذا أهدى لك إنسان هدية فقد أكرمك بها، وإذا لم يهد إليك فلم يحصل منه إكرام ولا إهانة، وأيضاً فيه إشارة إلى أن تقتير الرزق، لا يلزم منه أن يكون دليلاً على إهانة، بل قد يكون دليلاً على المحبة والتكريم، لما ورد:" أشدكم بلا: الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل "فقول العبد: ربي أهانني من قصورة وغفلته، وإلا فالمطلوب منه أن يرضى ويسلم. قوله: ﴿ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَهَانَنِ ﴾ أي لم يحسن إلي ولم يفضلني، في ياء أهانني وأكرمني خلاف بين القراء، فبعضهم يثبتهما وصلاً ووقفاً، وبعضهم يحذفهما في الحالين، وبعضهم يثبتهما وصلاً ويحذفهما وقفاً. قوله: (ردع) أي عن الشقين بدليل قوله: (أي ليس الإكرام) الخ. قوله: (وكفار مكة) الخ، توطئة للدخول على قوله: ﴿ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ ﴾ الخ، وقوله: (لذلك) أي لكون الإكرام بالطاعة، والإهانة بالكفر والمعاصي، وكثير من جهلة المؤمنين يعتقدون هذا الاعتقاد، وهو غلط وغرور. قوله: ﴿ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ ٱلْيَتِيمَ ﴾ إضراب من قبيح إلى أقبح منه ترقياً في ذمهم. قوله: ﴿ وَلاَ تَحَآضُّونَ ﴾ أي يحثون ومفعوله محذوف قدره. بقوله: (أنفسهم ولا غيرهم). قوله: (أي إطعام) أشار بذلك إلى الطعام مصدر بمعنى الإطعام، وفيه إيماء إلى أن إكرام اليتيم، والحث على إطعام المساكين، من أعظم الخصال فضيلة. قوله: ﴿ وَتَأْكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ ﴾ التاء فيه مبدلة من الواو، لأنه من الوراثة، كما في تجاءة وتكاءة. قوله: ﴿ أَكْلاً لَّمّاً ﴾ أي جمعاً، فاللم الجمع، يقال: لممت الشيء جمعته، ومنه لم الله شعثه، أي جمع ما تفرق من أموره. قوله: (أي شديداً) صفة لموصوف محذوف، أي جمعاً شديداً. قوله: (اللم نصيب النساء) الخ، أي فإنهم كانوا لا يورثون النساء والصبيان، ويأكلون أنصباءهم، أو يأكلون ما جمعه المورث من حلال وحرام، عالمين بذلك، إن قلت: إن السورة مكية، وآية المواريث مدنية، ولا يعلم الحل والحرمة إلا من الشرع، أجيب: بأن حكم الإرث، كان معلوماً لهم من بقايا شريعة إسماعيل، فهو ثابت عندهم بطريق عادتهم. قوله: (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضاً، وقرئ في السبع أيضاً تحاضون، وأصله تتحاضون، حذفت إحدى التاءين، أي لا يحض بعضكم بعضاً. قوله: (ردع لهم عن ذلك) أي عن جمع المال وحبه، وعدم إكرام اليتيم.