قوله: ﴿ يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ ﴾ لما ذكر حال من كانت همته الدنيا، ذكر حال من اطمأنت نفسه بالله، فسلم إليه أمره واتكل عليه. قوله: (الآمنة) أي التي لا يستفزها خوف ولا حزن قوله: (وهي المؤمنة) هذا قول ابن عباس، وقال الحسن (المؤمنة) الموقنة، وعن مجاهد أيضاً: الراضية بقضاء الله التي علمت أن ما أخطأها لم يكن ليصيبها، وأن ما أصابها لم يكن ليخطئها. وقال ابن عطاء: العارفة التي لا تصبر عنه طرفة عين، وقيل: المطمئنة بذكر الله، وقيل غير ذلك، وفي الحقيقة كل من تلك المعاني صحيح، لأنه متى ثبت لها الإيمان عند الموت، تحققت بذلك الخطاب، فكلام المفسر من جوامع الكلم. قوله: ﴿ ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ ﴾ هو خبر في المعنى، وإن كان أمراً في الظاهر. قوله: (عند الموت) قال عبد الله بن عمر: إذا توفي العبد المؤمن، أرسل الله عز وجل إليه ملكين، وأرسل اليه بتحفة من الجنة، فقال: اخرجي أيتها النفس المطمئنة، اخرجي إلى روح وريحان، وربك عنك راض، فتخرج كأطيب ريح مسك وجده أحد في أنفه، والملائكة على أرجاء السماء يقولون: قد جاء من الأرض روح طيبة ونسمة طيبة، فلا تمر بباب إلا فتح لها، ولا بملك إلا صلى عليها، حتى يؤتى بها الرحمن جل جلاله فتسجد له، ثم يقال لميكائيل: اذهب بهذه النفس، فاجعلها مع أنفس المؤمنين، ثم يؤمر فيوسع عليه قبره سبعون ذراعاً عرضه، وسبعون ذراعاً طوله، وينبذ فيه الروح والريحان، فإن كان معه شيء من القرآن كفاه نوره، وإن لم يكن جعل له نور مثل نور الشمس في قبره، ويكون مثله مثل العروس، ينام فلا يوقظه إلا أحب أهله إليه. وإذا توفي الكافر، أرسل الله إليه ملكين، أرسل قطعة من سكاء، أنتن من كل نتن، وأخشن من كل خشن، فيقال: أيتها النفس الخبيثة، اخرجي إلى جهنم وعذاب أليم، وركب عليك غضبان اهـ. وما ذكره المفسر من أن النداء عند الموت أحد قولين، والآخر أنه عند البعث، ومعنى قوله: ﴿ ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ ﴾ إي صاحبك وهو الجسد، فيأمر الله تعالى الأرواح أن ترجع إلى الأجساد، وبه قال عكرمة وعطاء والضحاك. قوله: ﴿ فَٱدْخُلِي فِي عِبَادِي ﴾ الإضافة للتشريف، وإلا فالكل عباده. قوله: ﴿ وَٱدْخُلِي جَنَّتِي ﴾ (معهم) أي الصالحين، لتفوزي بالنعيم المقيم، ولأهل الإشارات تفاسير، منها: أن الله يناديها في الدنيا بهذا النداء، حيث اتصفت بتلك الصفات، يقول لها ﴿ يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ * ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ ﴾ بفنائك عما سواه.
﴿ رَاضِيَةً ﴾ بأحكامه.
﴿ مَّرْضِيَّةً ﴾ له بأوصافك ﴿ فَٱدْخُلِي فِي عِبَادِي ﴾ (الصالحين) أي فكوني معدودة فيهم ومحسوبة منهم ﴿ وَٱدْخُلِي ﴾ جنة شهودي في الدنيا ما دامت فيها، وهي الجنة المعجلة، ويقال لها ذلك أيضاً عند البعث على التفسير المتقدم، ويراد حينئذ بالجنة جنة الخلود وفسروا بذلك قوله تعالى:﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾[الرحمن: ٤٦] أي جنة الشهود في الدنيا، التي قال فيها العارف بن الفارض: أنلنا مع الأحباب رؤيتك التي إليها قلوب الأولياء تسارعوجنة الخلود في العقبى، وهذا النداء الواقع في الدنيا يسمعه العارفون، إما في المنام أو بالإلهام، وتقدم تقسيم النفس، ومأخوذ كل قسم في سورة القيامة.