قوله: ﴿ تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ ﴾ أصله تتنزل بتاءين، حذفت إحداهما تخفيفاً كما قال المفسر، على حد قول ابن مالك: وما بتاءين ابتدى قد يقتصر فيه على تاء كتبين العبروالتاء في ملائكة لتأنيث الجمع، وإذا حذفت امتنع صرفه لصيغة منتهى الجموع، وبه يلغز فيقال؛ كلمة إذا حذفت من آخرها حرف امتنع صرفها، جمع ملك وأصله ملأك ووزنه فعال، فالهمزة زائدة، ومادته تدل على الملك والقوة والسلطنة، وقيل: وزنه مفعل فالميم زائدة، وقيل: هو مقلوب وأصله ملك من الألوكة وهي الرسالة، قلب قلباً مكانياً فصار ملأك، وفي وزنه قولان المتقدمان، وعلى كل فيقال: سقطت الهمزة فصار ملك، والملائكة أجسام نورانية، لا يوصوفون بذكورة ولا بأنوثة، لهم قدرة على التشكيلات بالصورة الغير الخسيسة، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، وعبر بـ ﴿ تَنَزَّلُ ﴾ إشارة إلى أنهم ينزلون طائفة بعد طائفة، فينزل فوج ويصعد فوج، وروي أنه إذا كان ليلة القدر، تنزل الملائكة وهم سكان سدرة المنتهى، وجبريل عليه السلام ومعه أربعة ألوية، فينصب لواء على قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولواء على ظهر بيت المقدس، ولواء على ظهر المسجد الحرام، ولواء على ظهر طور سيناء، ولا يدع بيتاً فيه مؤمن أو مؤمنة إلا دخله وسلم عليه ويقول: يا مؤمن أو يا مؤمنة، السلام يقرئكم السلام إلا على مدمن خمر، وقاطع رحم، وآكل لحم الخنزير. وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا كان ليلة القدر، نزل جبريل في كبكبة من الملائكة، يصلون ويسلمون على كل عبد قائم أو قاعد يذكر الله تعالى ". وروي أن الملائكة في تلك الليلة، أكثر من عدد الحصى. قوله: ﴿ وَٱلرُّوحُ ﴾ إما مرفوع بالابتداء والجار بعد خبره، أو بالفاعلية عطفاً على ﴿ ٱلْمَلاَئِكَةُ ﴾ قوله: (جبريل) هذا أحد أقوال في تفسير الروح، وعليه فعطف الروح على الملائكة عطف على خاص لشرفه، وقيل: الروح نوع مخصوص منهم، وقيل: خلق آخر غير الملائكة، وقيل: أرواح بني آدم، وقيل: عيسى مع الملائكة، وقيل: ملك عظيم الخلقة تحت العرش، ورجلاه في تخوم الأرض السابعة، وله ألف رأس، كل رأس أعظم من الدنيا، وفي كل رأس ألف وجه، وفي وجه ألم فم، وفي كل فم ألف لسان، يسبح الله تعالى بكل لسان ألف نوع من التسبيح والتحميد والتمجيد، ولكل لسان لغة لا تشبه لغة الآخر، فإذا فتح أفواهه بالتسبيح، خرت ملائكة السماوات السبع سجداً مخافة أن يحرقهم نور أفواهه، وإنما يسبح الله غدوة وعشية، فينزل في ليلة القدر لشرفها وعلو شأنها، فيستغفر للصائمين والصائمات من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بتلك الأفواه كلها إلى طلوع الفجر. قوله: ﴿ فِيهَا ﴾ إما متعلق بـ ﴿ تَنَزَّلُ ﴾ أو حال من ﴿ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ ﴾ وقوله: ﴿ بِإِذْنِ رَبِّهِم ﴾: إما متعلق بـ ﴿ تَنَزَّلُ ﴾ أو بمحذوف حال أيضاً، والمعنى ﴿ تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا ﴾ حال كونهم متلبسين ﴿ بِإِذْنِ رَبِّهِم ﴾ لا من تلقاء أنفسهم. قوله: ﴿ مِّن كُلِّ أَمْرٍ ﴾ يحتمل أن ﴿ مِّن ﴾ بمعنى باء السببية، وعليه درج المفسر، ويصح أنها للتعليل متعلق بـ ﴿ تَنَزَّلُ ﴾ أي تنزل من أجل كل أمر. قوله: (قضاه الله فيها) أي أراد إظهاره لملائكته، هذه هو المراد بالقضاء فيها، لا القضاء الأزلي، قوله: (لتلك السنة) أي مما هو منسوب لتلك السنة، من أجل أمر الموت والأجل الرزق وغير ذلك. قوله: (إلى قابل) متعلق بمحذوف تقديره من تلك الليلة إلى مثلها من قابل. قوله: ﴿ سَلاَمٌ هِيَ ﴾ يصح أن يكون ضمير هي عائداً على ﴿ ٱلْمَلاَئِكَةُ ﴾ و ﴿ سَلاَمٌ ﴾ بمعنى التسليم، والمعنى أن الملائكة يسلمون على المؤمنين، ويصح أن يعود على ليلة القدر سلام أيضاً بمعنى التسليم، والمعنى أن الليلة ذات تسليم من الملائكة على المؤمنين أو على بعضهم بعضاً، ويصح على هذا الوجه أن يجعل سلام بمعنى سلامة، أي ليلة القدر ذات سلامة من كل شر، قال القرطبي: ليلة القدر سلامة وخير كلها لا شر فيها حتى مطلع الفجر، وقال الضحاك: لا يقدر الله في تلك الليلة إلى السلامة، وفي سائر الليالي يقضي بالبلايا والسلامة، وقيل: هي ذات سلام من أن يؤثر فيها شيطان في مؤمن أو مؤمنة. قوله: (خبر مقدم) أي فيفيد الحصر أي ما هي إلا سلام، وجعلت عين السلام مبالغة على حد: زيد عدل، وما ذكره المفسر وهو المشهور، وجوز الأخفش رفع سلام بالابتداء، وهي بالفاعلية به، لأنه لا يشترط عنده اعتماد الوصف على نفي أو استفهام. قوله: ﴿ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ ﴾ متعلق بـ ﴿ تَنَزَّلُ ﴾ وهو ظاهر أو بسلام، وفيه أنه يلزم عليه الفصل بين الصدر ومعموله بأجبني وهو المبتدأ على إعراب المفسر، إلا أن يتوسع في الجار، وأما على إعراب الأخفش فلا إشكال. قوله: (بفتح اللام وكسرها) أي وهما سبعيتان، وهل هما مصدران، أو المفتوح مصدر، والمكسور اسم مكان؟ خلاف. فائدة: ذكر العلماء لليلة القدر علامات منها: قلة نبح الكلاب، ونهيق الحمير، وعذوبة الماء الملح، ورؤية كل مخلوق ساجداً لله تعالى، وسماع كل شيء يذكر الله بلسان المقال، وكونها ليلة بلجة مضيئة مشرقة بالأنوار، وطلوع الشمس يومها صافية نقية، ليست بين قرني الشيطان كيوم غيرها؛ وأحسن ما يدعى به في تلك الليلة العفو والعافية كما ورد، وينبغي لمن شق عليه طول القيام، أن يتخير ما ورد في قراءته كثرة الثواب، كآية الكرسي فقد ورد أنها أفضل أية في القرآن، وكأواخر البقرة لما ورد من قام بهما في ليلة كتفاه، وكسورة إذا زلزلت لما ورد أنها تعدل نصف القرآن، وكسورة الكافرون لما ورد أنها تعدل ربع القرآن، والإخلاص تعدل ثلثه، ويس لما ورد أنها قلب القرآن وأنها لما قرئت له، ويكثر من الاستغفار والتسبيح والتحميد والتهليل وأنواع الذكر، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو بما أحب لنفسه ولأحبابه أحياء وأمواتاً ويتصدق بما تيسر له، ويحفظ جوارحه عن المعاصي، ويكفي في قيامها صلاة العشاء والصبح في جماعة، وورد" من صل المغرب والعشاء في جماعة فقد أخذ بحظ وافر من ليلة القدر "وورد" من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام شطر الليل، فإذا صلى الصبح في جماعة فكأنما قام شطره الآخر "وقد ورد" من قال لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ثلاث مرات، كان كمن أدرك ليلة القدر "فينبغي الإتيان بذلك كل ليلة.