قوله: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ ﴾ إذ ظرف لمحذوف قدره المفسر بقوله اذكر، والمراد ذكر العهد نفسه لا ذكر وقته، والميثاق هو عهد مؤكد باليمين، واختلف فيه هل كان ذلك في عالم الدر، وعليه يكون قوله آتيتكم من كتاب وحكمة في عالم الأشباح، فالمعاهدة لما يأتي أو كان ذلك في عالم الأشباح، وكانت تلك المعاهدة تنزل في كتبهم، وعليه تكون المعاهدة في الحالة الراهنة، واختلف في الرسول المعاهد عليه في جميع الأنبياء، فذهب جماعة من الصحابة والتابعين، منهم سيعد بن جبير وطاوس إلى أن كل نبي يعاهد على من يأتي بعده من الأنبياء، فأخذ العهد على آدم إن جاءه رسول مصدق لما معه ليؤمنن به ولينصرنه، وكذلك شيث أخذ عليه العهد، وهكذا إلى إبراهيم إلى موسى إلى بقية أنبياء بني إسرائيل، إلى عيسى، فهو صلى الله عليه وسلم معاهد عليه مع كل نبي في عموم الأنبياء، ومع عيسى عوهد عليه بالخصوص، وهي حكمة قوله تعالى:﴿ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي ٱسْمُهُ أَحْمَدُ ﴾[الصف: ٦] وذهب جماعة أخرى من الصحابة منهم ابن عباس وعلي بن أبي طالب والسدي وقتادة، إلى أن المراد بالرسول المعاهد عليه هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فأخذ الله العهد على كل نبي بإنفراده لئن جاءه محمد وهو حي مصدق لما معه ليؤمنن به ولينصرنه، وعليه فلو ظهر محمد في زمن أي نبي من الأنبياء، لبطل شرع ذلك النبي وكان هو وأمته من أتباعه، واقتصر على هذا القول المفسر، قال السبكي يؤخذ من الآية على هذا التفسير أنه نبي الأنبياء وأن الأنبياء نوابه، والحكمة في تلك المعاهدة ارتباط أولهم بآخرهم، وبيان عصمتهم من داء الحسد، من الأمم التي تكفر بالرسول المبعوث. قوله: (وتوكيد معنى القسم) أي مؤكدة لليمين المأخوذ من الميثاق، فإنه تقدم أن معنى الميثاق عهد مؤكد يمين. قوله: (متعلقة بأخذ) أي على أنها للتعليل مع حذف المضاف، أي لرعاية وحفظ ما آتيتكم. قوله: (وما موصولة) على الوجهين وهي على الأول مبتدأ وآتيتكم صلتها، وقوله: ﴿ مِّن كِتَابٍ ﴾ بيان لما ﴿ وَحِكْمَةٍ ﴾ معطوف على ﴿ كِتَابٍ ﴾.
قوله: ﴿ ثُمَّ جَآءَكُمْ ﴾ معطوف على آتيتكم و ﴿ مُّصَدِّقٌ ﴾ صفة لرسول، وقوله: ﴿ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ ﴾ جواب لقسم، وخبر المبتدأ محذوف تقديره تؤمنون به وتنصرونه، والضميران في ﴿ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ ﴾ راجعان للرسول، واستشكل عود الضمير على الرسول، مع أن المبتدأ في الحقيقة الكتاب والحكمة، وانظر ما الجواب. قوله: ﴿ أَأَقْرَرْتُمْ ﴾ بتخفيف الهمزتين بألف بينهما وتركها، وتسهيل الثانية بألف وبدونها، وبإبدال الثانية ألفاً، فالقراءات خمس. قوله: (عهد) سمي العهد بالإصر لأن فيه مشقة. قوله: ﴿ قَالُوۤاْ أَقْرَرْنَا ﴾ جواب عن سؤال تقديره ماذا قالوا حينئذ؟ وثمرة المعاهدة على محمد مع علم الله أنه لا يأتي في زمن نبي من الأنبياء الثواب على العزم بالاتباع، والعقاب على العزم بعدم الإيمان، فجميع الأنبياء يثابون على الإيمان بمحمد، ومن عزم على عدم الإيمان به لو ظهر عوقب. قوله: ﴿ فَمَنْ تَوَلَّىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ ﴾ إن قلت إن الأنبياء معصومون من ذلك، أجيب بأن الشرطية لا تقتضي الوقوع أو خطاب لهم، والمراد أممهم. قوله: ﴿ أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ ﴾ هذا رد على اليهود والنصارى، حيث ادعى كل دين إبراهيم واختصموا إلى النبي، فقال النبي: كلا الفريقين بريء من دين إبراهيم، والهمزة داخلة على محذوف تقديره أعموا فغير دين الله يبغون؟قوله: ﴿ وَلَهُ أَسْلَمَ ﴾ جملة حالية. قوله: ﴿ طَوْعاً ﴾ راجع لجميع أهل السماء وبعض أهل الأرض، وقوله: ﴿ وَكَرْهاً ﴾ راجع لبعض أهل الأرض فطوعاً وكرهاً مصدران في موضع الحال، والتقدير طائعين وكارهين. قوله: (ومعاينة ما يلجأ إليه) أي إلى الإسلام كنطق الجبل وإدراك فرعون وقومه الغرق، قال تعالى:﴿ فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ ﴾[غافر: ٨٤] الآية. قوله: (والهمزة للإنكار) أي التوبيخي وقدم المفعول لأن المقصود إنكاره.