قوله: ﴿ قُلْ آمَنَّا ﴾ لما تقدم أن الله أمر الأنبياء بالإيمان بمحمد على أرجح التفسيرين، ذكر هنا أمره بالإيمان وأفرد في قوله قل، وجمع في قوله آمنا، لأن النبي هو المخاطب بالوحي والتبليغ فقط، وأما الإيمان فمخاطب به هو وأتباعه. قوله: ﴿ بِٱللَّهِ ﴾ أي صدقنا بأن الله متصف بكل كمال، ومستحيل عليه كل نقص. قوله: ﴿ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ﴾ أي وهو القرآن، وعبر هنا بعلى، وفي سورة البقرة بإلى، لأن مادة النزول تتعدى بهما، غير أنه بالنظر للمبدأ يعدى بعلى كما هنا لأن المخاطب بذلك هو الموحى إليه وهو محمد والأنبياء بعده، وبالنظر للمنتهى كما في البقرة يعد بإلى لأن المأمور بذلك أمم. قوله: ﴿ وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ﴾ إنما صرح بأسماء هؤلاء لأن أهل الكتاب يعترفون بكتبهم ونبوتهم. قوله: ﴿ وَإِسْمَاعِيلَ ﴾ الخ، وما أنزل على هؤلاء من الوحي، وكانوا يتعبدون بشرع إبراهيم بوحي من الله، وإسماعيل أبو العرب، وإسحاق أبو العجم، ويعقوب بن إسحاق، والأسباط أولاد يعقوب وكانوا اثني عشر رجلاً، يوسف وإخوته، ويؤخذ من الآية أنهم أنبياء يجب الإيمان بهم وهو المعتمد، وما يأتي في سورة يوسف من الوقائع العظيمة الموهمة عدم عصمتهم، فمؤول بأنهم مأمورون بذلك باطناً من حضرة الله، كأفعال الخضر عليه السلام، قال تعالى في حقه:﴿ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ﴾[الكهف: ٨٢] ويقال فيهم ما قيل فيه بالأولى، فإن المعتمد أن الخضر ليس بنبي، والأسباط أنبياء على المعتمد، وموافقة ظاهر الشرع إنما تلزم الرسول المشرع فتأمل. قوله: (أولاده) أي أولاد يعقوب فهم أسباط لإبراهيم، بمعنى أولاد بنيه لا بالمعنى المصطلح عليه وهو أولاد البنت. قوله: ﴿ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ﴾ أي من التوراة والإنجيل ومعجزاتهما، قوله: ﴿ وَٱلنَّبِيُّونَ ﴾ عطف عام على خاص، فيجب الإيمان بالنبيين عموماً إجمالاً في الإجمالي، وتفصيلاً في التفصيلي، فيجب الإيمان تفصيلاً بخمسة وعشرين نبياً ثمانية عشرة في الأنعام، ومحمد وآدم وهود وصالح وشعيب وإدريس وذو الكفل، من أنكر أي واحد منهم بعد علمه فقد كفر، ويجب الإيمان الإجمالي بما عدا هؤلاء، ولا يعلم عدتهم إلا الله. قوله: (بالتصديق والتكذيب) أي بالتصديق لبعض والتكذيب للبعض الآخر، كما فعلت اليهود والنصارى. قوله: (مخلصون في العبادة) أشار بذلك إلى أن المراد بالإسلام هنا حقيقته وهو الانقياد الظاهري. قوله: (فيمن ارتد) أي وهم اثنا عشر أسلموا بالمدينة، ولحقوا بأهل الكفر في مكة، منهم الحرث بن سويد الأنصاري ولكنه أسلم بعد ذلك. قوله: ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلاَمِ ﴾ اعلم أن جمهور السبعة على الفك لوجود الفاصل الحكمي وهو الياء التي حذفها الجازم، لأن المحذوف لعله كالثابت، وقرأ أبو عمرو في أحد وجهيه بالإدغام نظراً للصورة الظاهرية، ونظيره في القرآن كل مثلين بينهما فاصل حكمي ففيه الوجهان نحو (يخل لكم وجه أبيكم) (وإن يك كاذبا) ومن اسم شرط، ويبتغ فعله، وغير مفعول، وديناً تمييز لغير أو بدل منه أو معفول وغير حال لأنه نعت نكرة قدم عليها. قوله: ﴿ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ﴾ أي ولا يقر عليه قوله: ﴿ كَيْفَ ﴾ استفهام إنكاري بمعنى النفي كما يشير له المفسر بقوله: (أي) ﴿ يَهْدِي ﴾ وقيل إنه استبعادي أي فهداهم مستبعد، قال العارف البوصيري: وإذا البينات لم تغن شيئاً فالتماس الهدى بهن عناءقوله: (أي وشهادتهم) أشار بذلك إلى أن الفعل مؤول باسم الذي هو الإيمان. قوله: ﴿ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ أي حتى أهل النار في النار، قال تعالى:﴿ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا ﴾[الأعراف: ٣٨].
قوله: (أي اللعنة) أي ومن لوازمها الخلود في النار، قوله: (الدلول بها) أي اللعنة، وقوله: (عليها) أي على النار.