قوله: ﴿ وَبَشِّرِ ﴾ جرت عادة الله في كتابه أنه إذا ذكر ما يتعلق بالكافرين وأحوالهم وعاقبة أمرهم يذكر بلصقه ما يتعلق بالمؤمنين وأحوالهم وعاقبة أمرهم، فإن القرآن نزل لهذين الفريقين، والبشارة هي الخبر السار سمي الخبر بذلك لطلاقة البشرة والسرور عنده، والأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو للوجوب لأن البشارة من جملة ما أمر بتبليغه، ويحتمل أن الأمر عام له ولكل من تحمل شرعه كالعلماء. قوله: (أخبر) مشى المفسر على أن معنى البشارة الخبر مطلقاً لكن غلب في الخبر وضده على الندارة، وأما قوله تعالى:﴿ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾[آل عمران: ٢١] فمن باب التشبيه يجامع أن كلاً صادر من المولى وهو لا يتخلف. قوله: (صدقوا بالله) إنما على ذلك لأنه يلزم من التصديق بالله التصديق بما أخبر به على لسان رسله. قوله: ﴿ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ ﴾ وصف جرى مجرى الأسماء فلذلك صح إسناد العوامل له، فلا يقال إنه صفة لموصوف محذوف أي الأعمال الصالحات. قوله: (من الفروض) أي كالصلوات الخمس وصيام رمضان والحج في العمرة مرة وزكاة الأموال والجهاد إذا فجأ العدو، وقوله والنوافل أي كصلاة التطوع وصومه ومواساة الفقراء وغير ذلك من أنواع البر، والمراد عملوا الصالحات على حسب الطاقة قال تعالى:﴿ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ ﴾[التغابن: ١٦].
قوله: (أي بأن) أشار بذلك إلى حذف الجار وهو مطرد مع أن قال ابن مالك: نقلاً وفي أن وأن يطرد   مع امن لبس كعجبت أن يدواقوله: ﴿ لَهُمْ جَنَّٰتٍ ﴾ جمع جنة واختلف في عددها فقيل أربع وهو ما يؤخذ من سورة الرحمن، وقيل سبع وعليه ابن عباس جنة عدن وجنة المأوى والفردوس ودار السلام ودار الجلال وجنة النعيم وجنة الخلد. قوله: (حدائق) جمع حديقة وهي الروضة الحسنة. قوله: (ذات أشجار ومساكن) أي موجودات فيها الآن ومع ذلك تقبل الزيادة، فالجنة تامة فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، ومع ذلك أرضها واسعة طيبة تقبل الزيادة. قوله: (أي تحت أشجارها) أي على وجه الأرض بقدرة الله فلا تبلي فرشاً ولا تهدم بناء ولا تقطع شجراً. قوله: ﴿ ٱلأَنْهَٰرُ ﴾ يحتمل أن تكون ال للعهد والمراد بها ما ذكر في سورة القتال بقوله تعالى:﴿ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ﴾[محمد: ١٥].
قوله: (أي المياه فيها) أي الأنهار وأشار بذلك إلى أن في الجنة حفراً كأنهار الدنيا، وقيل لم يوجد في الجنة حفر تجري فيها المياه بل تجري على وجه الأرض. قوله: (والنهر الموضع) أي بحسب الأصل اللغوي. قوله: (وإسناد الجري إليه مجاز) أي عقلي أو الإسناد حقيقي، وإنما التجوز في الكلمة من إطلاق المحل وإرادة الحال فيه. قوله: ﴿ كُلَّمَا رُزِقُواْ ﴾ ظرف لقوله قالوا: قوله: ﴿ مِن ثَمَرَةٍ ﴾ أي نوعها: قوله: (أي مثل ما) الأولى حذف وما تقدم مثل على الذي وأتى بمثل دفعاً لما يتوهم من قولهم (هذا الذي رزقنا من قبل) إنه عينه وذلك مستحيل لأنه قد أكل والمعنى أن الله قادر على صنع طعام متحد اللون مختلف الطعام واللذة. فإذا رأوه قالوا: (هذا الذي رزقنا من قبل بحسب ما رأوا من اتحاد اللون، فإذا أكلوه علموا عدم الإتحاد. قوله: (أي قبله في الجنة) أشار بذلك إلى رد ما قيل إن المراد بقوله من قبل في الدنيا وقوله: ﴿ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَٰبِهاً ﴾ أي يشبه ثمر الدنيا في الصورة. قوله: (جيئوا بالرزق) أي يأتي به الولدان والملائكة والمراد بالرزق المرزوق أي المأكول. قوله: (وغيرها) أي نساء الدنيا فقد ورد أن نساء الدنيا يكن أجمل من الحور العين، وقد ورد أن كل رجل يزوج بأربعة آلاف بكر وثمانية آلاف أيم ومائة حوراء. قوله: (وكل قذر) أي كالنفاس والبصاق والمخاط وليس في الجنة إنزال ولا حمل ولا ولادة وليس الأكل والشرب عن جوع وظمأ. قوله: (لا يفنون) أي ولا يمرضون ولا تبلى ثيابهم ولا يفنى شبابهم. قوله: (ولا يخرجون) أي لقوله تعالى:﴿ وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ ﴾[الحجر: ٤٨].
قوله: (ونزل رداً) فاعل نزل جملة (إن الله لا يستحي) قصد لفظها ورداً بمعنى جواباً مفعول لأجله أو حال من فاعل نزل، وقوله لما: (ضرب الله المثل) ظرف للقول ومقول القول قوله: ماذا أراد الله إلخ وقوله: (بالذباب) الباء للتصوير وهو متعلق بضرب وجواب استفهامهم قوله تعالى:﴿ يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً ﴾[البقرة: ٢٦] قوله: (في قوله) أي تعالى وحذفها للاختصار وحذا بقية المثلين قوله: (بذكر هذه الأشياء الحسنة) أي مع أنه عظيم وقالوا أيضاً إن الواحد منا يستحي أن يضرب المثل بالشيء الخسيس فالله أولى وجعلوا ذلك ذريعة لإنكار كونه من الله.


الصفحة التالية
Icon