قوله: ﴿ ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ ﴾ ثم للترتيب بدليل تصريحه بالبعدية بعد ذلك بقوله: ﴿ مِّن بَعْدِ ٱلْغَمِّ ﴾، قوله: (أمنا) أشار بذلك إلى أن الأمنة والأمن بمعنى واحد وهو الطمأنينة، زال سبب الخوف أولاً، وقيل إن الأمن هو الطمأنينة مع زوال سبب الخوف، والأمنة الطمأنينة مع وجود اسبابه. قوله: (بدل) أي بدل كل من كل وهو ظاهر، لأن الأمنة هي النعاس بعينها، وقيل بدل اشتمال لأن الأمنة لها اشتمال بالنعاس وهو له اشتمال بها، لأنه لا يحصل النعاس إلا لآمن، قوله: (بالياء والتاء) أي فهما قراءتان سبعيتان فعلى الياء الضمير عائد على النعاس، وعلى التاء الضمير عائد على الأمنة، قوله: (يميدون) أي يميلون، وقوله: (تحت الجحف) بفتحتين وتقديم الحاء جمع حجفة كقصبة، وقصب اسم للترس والدرقة كما في المصباح. قوله: (وتسقط السيوف منهم) أي المرة بعد المرة وكلما سقطت أخذوها. قوله: ﴿ وَطَآئِفَةٌ ﴾ أي من غيركم وهم المنافقون، قوله: ﴿ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ ﴾ أهم فعل ماض والتاء علامة التأنيث وأنفسهم فاعل، والمعنى أنهم يحرصون على نجاة أنفسهم من الموت لا تشييداً للدين. قوله: (ظناً) ﴿ غَيْرَ ﴾ (الظن) ﴿ ٱلْحَقِّ ﴾ أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ غَيْرَ ٱلْحَقِّ ﴾ صفة لموصوف محذوف مفعول ليظنون، وقوله: ﴿ ٱلْحَقِّ ﴾ صفة لمصدر محذوف مضاف لغير، وقوله: ﴿ ظَنَّ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ ﴾ صفة ثانية وهو منصوب بنزع الخافض، والمعنى أن هذه الطائفة حملتهم أنفسهم على الهزيمة لنجاتها، ومن أوصافهم أنهم يظنون في ربهم ظناً باطلاً مثل ظن الجاهلية بمعنى أهل الجهل والكفر حيث ظنوا أن النبي قتل وأن دينه قد بطل، قال تعالى:﴿ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ ٱلُخَاسِرِينَ ﴾[فصلت: ٢٣] وقال تعالى:﴿ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ ٱلضَّآلُّونَ ﴾[الحجر: ٥٦] فحسن الظن بالله من علامات الإيمان، قال تعالى في الحديث القدسي:" أنا عند ظن عبدي بي ما شاء "وبالجملة فمن أراد أن يعلم عاقبة ربه فلينظر إلى ظنه بربه. قوله: ﴿ يَقُولُونَ ﴾ أي اعتراضاً على رسول الله وتكذيباً له. قوله: ﴿ هَل لَّنَا ﴾ استفهام انكاري بمعنى النفي أي ما ثبت لنا من النصر شيء، قلنا خبر مقدم وشيء ومبتدأ مؤخر، ومن زائدة فيه، ومن الأمر حال من شيء، قوله: (بالنصب) توكيد أي للأمر، وخبر إن قوله لله، قوله: (أو بالرفع مبتدأ إلخ) أي والجملة خبر إن والقراءتان سبعيتان، قوله: (أي القضاء له) تفسير والمعنى أن النصر بيد الله والله هو الفاعل المختار، وليس النصر بكثرة العدد والعدد. قوله: (بيان لما قبله) أي استئناف بياني واقع في جواب سؤال مقدر كأنه قيل ما الذي يخفونه. قوله: ﴿ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلأَمْرِ ﴾ أي الإختيار والرأي. قوله: (لكن أخرجنا كرهاً) أي فحصل القتل فينا. قوله: ﴿ قُل ﴾ (لهم) أي رداً لمقالتهم واعتقادهم دفع قضاء الله المبرم. قوله: ﴿ لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ ﴾ أي لو لم تخرجوا إلى أحد ومكثتم في بيوتكم وقوله: ﴿ لَبَرَزَ ﴾ جواب قوله: ﴿ لَّوْ ﴾ والمعنى لخرج من قضي عليه بالموت إلى المحل الذي مات به لسبب من الأسباب ونفذ حكم الله فيه، مما اتفق أن سليمان بن داود عليهما السلام كان جالساً، وإذا بملك الموت أقبل عليه ونظر إلى رجل في مجلسه، فارتعدت فرائص الرجل، فلما ذهب ملك الموت قال الرجل: يا نبي الله إني خفت من نظرة هذا الرجل، فقال: هو ملك الموت، قال الرجل: مر الرياح لتذهب بي إلى اقصى البلاد ففعل، فبعد لحظة وإذا بملك الموت قد أقبل على سليمان فقال له: إن الله أمرني أن أقبض روح ذلك الرجل بتلك الأرض، فلما وجدته في مجلسك تحيرت، فكان منه ما كان، فهو قد خرج هارباً وفي الواقع خرج لمصرعه. قوله: ﴿ وَ ﴾ (فعل ما فعل) أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ لِيَبْتَلِيَ ﴾ لمحذوف والواو عاطفة لذلك المحذوف على أنزل. قوله: ﴿ وَلِيُمَحِّصَ ﴾ عطف على (ليبتلي) من عطف المسبب على السبب. قوله: (ليظهر للناس) أي المؤمن الخالص من غيره. قوله: (إلا اثنا عشر) منهم أبو بكر وعلي وطلحة وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف، وتقدم في رواية أن من بقي ثمانية عشر، وقيل لم يبق إلا طلحة، وتقدم الجمع بين هذه الروايات. قوله: (وهو مخالفة أمر النبي) أي حيث قسمهم خمسة أقسام وأقام كلاً في مركز وقال لهم لا تبرحوا عن مكانكم غلبنا أو نصرنا، فبعضهم تفرق للغنيمة، والبعض فرقه الأعداء. قوله: ﴿ وَلَقَدْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهُمْ ﴾ أي عن الجماعة الذين تفرقوا للغنيمة وعصوا أمر النبي. قوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾ هذه الجملة تأكيد وعلة لما قبلها، أي إنما عفا عنهم لأنه كثير المغفرة للذنوب واسع الحلم، فلا يعجل بالعقوبة على العاصي لأن الكل في قبضته، ولا يعجل بالعقوبة إلا من يخاف الفوات.