قوله: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ ﴾ إذ ظرف في محل نصب معمول لمحذوف قدره المفسر بقوله اذكر أي اذكر يا محمد قصة قول ربك إلخ، والأحسن أنه معمول لقوله بعد ﴿ قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا ﴾ وقت قول ربك للملائكة إلخ لأن إذا وقعت ظرفاً لا تكون إلا للزمان، قوله: ﴿ لِلْمَلَٰئِكَةِ ﴾ جمع ملك مخفف ملأك وأصله مألك على وزن مفعل مشتق من الألوكة وهي الإرسال دخله القلب المكاني فأخرت الهمزة عن اللام فنقلت حركت الهمزة للساكن قبلها وهو اللام فسقطت الهمزة، قوله: ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ ﴾ يصح أن يكون بمعنى مصير فخليفة مفعول أول وفي الأرض مفعول ثاني قدم لأنه المسوغ للإبتداء بالنكرة في الأصل، ويصح أن يكون بمعنى خالق فخليفة مفعول وفي الأرض متعلق به، قوله: ﴿ خَلِيفَةً ﴾ فعليه بمعنى مفعول أي مخلوف أو بمعنى فاعل أي خالف بمعنى أنه قائم بالخلافة، وحكمة جعله خليفة الرحمة بالعباد لا لإفتقار الله له، وذلك أن العباد لا طاقة لهم على تلقي الأوامر والنواهي من الله بلا واسطة، بل ولا بواسطة ملك، فمن رحمته ولطفه وإحسانه إرسال الرسل من البشر، قوله: (وهو أدم) أي فهو البشر والخليفة الأول باعتبار عالم الأجساد، وأما باعتبار عالم الأرواح فهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قال العارف: فإني وإن كنت ابن آدم صورة فلي فيه معنى شاهد بأبوتيوهو مأخوذ من أديم الأرض لخلقه من جميع أجزائها وكانت ستين جزءاً، ولذلك كان طباع نبيه ستين طبعاً. كفارة الظهار والصوم ستين، وعاش من العمر تسعمائة وستين وما مات حتى رأى من أولاده مائة ألف عمروا الأرض بأنواع الصنائع، والملائكة المخاطبون يحتمل أنهم من النوع المسمى بالجان، ورئيسهم إبليس، فإن الله خلق خلقاً وأسكنهم الأرض يسمون بني الجان فأفسدوا في الأرض، فلسط الله عليهم هؤلاء الملائكة فطردوهم وسكنوا موضعهم، ويحتمل أن الخطاب لعموم الملائكة، قوله: ﴿ مَن يُفْسِدُ فِيهَا ﴾ أي بمقتضى القوة الشهوية، وقوله: ﴿ وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ ﴾ أي بمقتضى القوة الغضبية، فإن في الإنسان ثلاثة أشياء: قوة شهوية، وقوة غضبية، وقوة عقلية فبالأولين يحصل النقص، وبالأخيرة يحصل الكمال والفضل، وقد نظر الملائكة للأوليين ولم ينظروا للثالثة. قوله: (كما فعل بنو الجان) قيل الجان إبليس، وقيل مخلوق آخر، وإبليس أبو الشياطين، قوله: (أرسل الله عليهم الملائكة) أي المسمين بالجان ورئيسهم إبليس، وفي هذه الآية أمور منها: مشاورة العظيم للحقير، ولا بأس بها لتأليف الحقير، قال تعالى:﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي ٱلأَمْرِ ﴾[آل عمران: ١٥٩]، ومنها إظهار عجز الملائكة عن علم الغيب، ومنها إظهار فضل آدم للملائكة، ومنها أنه لا ينبغي ترك الخير الكثير من أجل شر قليل، فإن بني آدم خيرهم غالب سرهم، فإن منهم الأنبياء والرسل والأولياء، وإن لم يكن منهم إلا سيدنا محمد لكفى، قوله: (متلبسين) أشار بذلك إلى أن الباء للملابسة، والجملة من قبيل الحال المتداخلة، قوله: ﴿ وَنُقَدِّسُ لَكَ ﴾ التقديس في اللغة يرجع لمعنى التسبيح وهو التنزيه عما لا يليق، وأما هنا فالتسبيح يرجع للعبادة والظاهرية، والتقديس يرجع للإعتقادات الباطنية، قوله: (فاللام زائدة) أي لتأكيد التخصيص، ويحتمل أنها للتعدية والتعليل أي ننزهك لك لا طمعاً في عاجل ولا آجل، ولا خوفاً من عاجل ولا آجل فتنزيهنا لذاتك فقط، قوله: (أي فنحن أحق بالإستخلاف) ليس المقصود من ذلك الإعتراض على الله ولا احتقار آدم، وإنما ذلك لطلب جواب يريحهم من العناء، حيث وقعت المشورة من الله لهم، قوله: (فيظهر العدل بينهم) أي فالطائع المؤمن له الجنة، والعاصي الكافر له النار، قوله: (فقالوا) أي سراً في أنفسهم، قوله: (لسبقنا له) أي للخلق وهو راجع لقوله أكرم، وقوله: (ورؤيتنا) راجع لقوله ولا أعلم فهو لف ونشر مرتب، قوله: (جمع ألوانها) تقدم أنها ستون، وورد أن الله لما أراد خلق آدم أوحى إلى الأرض إني خالق منك خلقاً من أطاعني ادخلته الجنة، ومن عصاني أدخلته النار، فقالت يا ربنا أتخلق مني خلقاً يدخل النار؟ فقال نعم فبكت فنبعت العيون من بكائها فهي تجري إلى يوم القيامة، قوله: (بالمياة المختلفة) أي على حسب الألوان.